2576- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا الّليثُ، عن سعِيدٍ بنِ أَبي سَعِيدٍ الغدريّ عن أَبيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرّاكِبُ في ظّلّهَا مِائَةَ سنة".
وفي البابِ عن أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ. قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ.
2577- حدّثنا عَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ الدّورِيّ حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن شَيْبَانَ عن فِرَاسٍ عن عَطِيَةَ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "في الجَنّةِ شَجَرَةُ يَسِيرُ الرّاكِبُ فِي ظِلّهَا مَائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا وقَالَ: ذلِكَ الظّلّ المَمْدُودُ".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من حديث أَبي سعيد.
2578- حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أخبرنا زِيَادُ بنُ الْحَسَنِ بنُ الفُرَاتِ القَزّازُ، عَنْ أَبِيهِ، عن جَدّهِ عن أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا فِي الْجَنّةِ شَجَرَةٌ إِلاّ وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حديث أَبي سعيد.
- قوله: (عن فراس) بكسر أوله وبمهملة ابن يحيى الهماني الخارقي أبي يحيى الكوفي المكتب، صدوق ربما وهم من السادسة.
قوله: (في الجنة شجرة) قال ابن الجوزي: يقال إنها طوبى قال الحافظ: وشاهد ذلك في حديث عتبة بن عبد السلمي عند أحمد والطبراني وابن حبان فهذا هو المعتمد خلافاً لمن قال: إنما نكرت للتنبيه على اختلاف جنسها بحسب شهوات أهل الجنة (يسير الراكب) أي راكب فرض. ومنهم من حمله على الوسط المعتدل (في ظلها) أي في نعيها وراحتها، ومنه قولهم: أنا في ظلك أي في ناحيتك قال القرطبي والمحوج إلى هذا التأويل أن الظل في عرف أهل الدنيا ما يقي من حر الشمس وأذاها وليس في الجنة شمس ولا أذى (مائة عام لا يقطعها) أي لا ينتهي إلى آخر ما يميل من أغصانها (قال وذلك الظل الممدود) وفي حديث أبي هريرة عند البخاري واقرأوا إن شئتم (وظل ممدود) وحديث أبي سعيد هذا أخرجه الشيخان بلفظ: إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع مائة عام ما يقطعها.
- قوله: (عن سعيد بن أبي سعد) المقبري.
قوله: (يسير الراكب في ظلها) قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء المراد بظلها كنفها وذراها وهوما يستر أغصانها انتهى.
قوله: (وفي الباب عن أنس وأبي سعيد) أما حديث أنس فأخرجه الترمذي في تفسير سورة الواقعة، وأما حديث أبي سعيد فأخرجه ابن حبان في صحيحه عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال له رجل يا رسول الله: ما طوبى؟ قال: "شجرة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها:" كذا في الترغيب.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وابن ماجه.
- قوله: (حدثنا زياد بن الحسن بن الفرات القزاز) التميمي الكوفي صدوق يخطئ من التاسعة (عن أبيه) أي الحسن بن الفرات بن أبي عبد الرحمن التميمي القزاز الكوفي، صدوق بهم من السابعة.
قوله: (ما في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب) وروى أبو نعيم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن في الجنة شجرة جذوعها من ذهب وفروعها من زبرجد ولؤلؤ، فتهب الرياح فتصطفق فما سمع السامعون بصوت شيء قط ألذ منه. وروى ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنه موقوفاً بإسناد جيد قال: نخل الجنة جذوعها من زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة لأهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وثمرها أمثال القلال والدلاء، أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل وألين من الزبد ليس فيها عجم. ورواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ذكر الحافظ المنذري هاتين الروايتين في الترغيب وقال الكرب بفتح الكاف والراء بعدهما باء موحدة، هو أصول السعف الغلاظ العراض انتهى. وروى ابن أبي حاتم وابن أبي الدنيا في صفة الجنة عن ابن عباس قال: الظل الممدود شجرة في الجنة على ساق قدر ما يسير الراكب المجد في ظلها مائة عام من كل نواحيها، فيخرج أهل الجنة يتحدثون في ظلها فيشتهي بعضهم اللهو، فيرسل الله ريحاً فيحرك تلك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا. ذكره الحافظ في الفتح.
قوله: (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه بن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه.
1591- باب مَا جَاءَ في صِفَةِ الْجَنةِ وَنَعِيمِهَا
2579- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا مُحمّدُ بنُ فَضِيلٍ عَنْ حَمْزَةَ الزّيّاتِ عَنْ زِيَادٍ الطائِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قُلْنَا يَا رَسُولَ الله: مَالَنَا إِذَا كُنّا عِنْدَكَ رَقّتْ قُلُوبُنَا، وَزَهَدْنَا في الدّنيا وَكُنّا مِنْ أَهْلِ الاَخِرَةِ، فَإِذَا خْرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ فَأَنَسْنَا أَهَالِينَا وَشَمَمْنَا الأَوْلاَدَ أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ أَنّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمْ المَلاَئِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ، وَلَوْ لَمْ تَذْنِبُوا لْجَاءَ الله بِخَلْقٍ جديدٍ كَيّ يَذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ. قَالَ قلت: يَا رسولَ الله مِمّ خُلِقَ الْخُلْقُ؟ قالَ: مِنَ المَاءِ. قُلْنا الْجَنّةُ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: "لَبِنَةٌ مِنْ فِضّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلاَطُهَا المِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا الّلؤْلُؤُ وَاليَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلْهَا يَنْعَمْ لاَ يَبْأَسْ، وَيَخْلُدْ لاَ يَمُوتُ: وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلاَ يَفْنَى شَبَابَهُمْ. ثُمّ قَالَ: ثَلاَثٌ لاَ تُرَدُ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ، وَيَقُولُ الرّبّ عز وجل: وَعِزّتِي لأَنْصُرَتّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيّ، وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتّصِلٍ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عن أَبي مُدَلَهٍ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- قوله: (عن زياد الطائي) مجهول أرسل عن أبي هريرة من السادسة، كذا في التقريب.
قوله: (وزهدنا) قال في القاموس زهد فيه كمنع وسمع وكرم زهداً وزهادة أو هي في الدنيا الزهد في الدين ضد رغب انتهى (فأنسنا أهالينا) قال في القاموس الأنس بالضم وبالتحريك، والأنسة محركة ضد الوحشة، وقد أنس به مثلثة النون انتهى. والمعنى خالطناهم وعالجنا أمورهم واشتغلنا بمصالحهم (أنكرنا أنفسنا) أي لم نجدها على ما كانت عندك (لو أنكم تكونون إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلك لزارتكم الملائكة في بيوتكم). كذا في نسخ الترمذي بزيادة لفظ كنتم بين من عندي وعلى حالكم ولا يستقيم معناه فتفكر. وروى مسلم في صحيحه عن حنظلة بن الربيع الأسيدي نحو هذا الحديث وفيه لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طريقكم (ولو لم تذنبوا لجاء الله بخلق جديد) من جنسكم أو من غيركم. وفي رواية مسلم: لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون (كي يذنبوا) أي فيستغفروا (فيغفر لهم) لاقتضاء صفة الغفار والغفور ذلك. قال الطيبي: ليس الحديث تسلية منهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله، فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، بل بيان لعفو الله تعالى وتجاوزه عن المذنبين ليرغبوا في التوبة. والمعنى المراد من الحديث هو أن الله كما أحب أن يعطي المحسنين أحب أن يتجاوز عن المسينين وقد ل على ذلك غير واحد أسمائه الغفار الحليم التواب العفو، ولم يكن ليجعل العباد شأناً واحداً كالملائكة مجبولين على التنزه من الذنوب بل يخلق فيهم من يكون بطبعه ميالا إلى الهوى متلبساً بما يقتضيه ثم يكلفه التوقى عنه ويحذره من مداناته ويعرفه التوبة بعد الابتلاء، فإن وفي فأجره على الله، وإن أخطأ الطريق فالتوبة بين يديه، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم به أنكم لو كنتم مجبولين على ما جبلت عليه الملائكة لجاء الله بقوم تأتي منهم الذنب فيتجلى عليهم بتلك الصفات على مقتضى الحكمة، فإن الغفار يستدعى مغفوراً كما أن الرزاق يستدعى مرزرقاً، كذا في المرقاة (مم خلق الخلق قال: من الماء) قيل أي من النطقة، والظاهر أن يكون اقتباساً من قوله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} أي وخلقنا من الماء كل حيوان لقوله سبحانه {والله خلق كل دابة من ماء} وذلك لأن الماء أعطم موارده أولفرط احتياحه إليه وانتفاعه بعينه (قلت الجنة ما بناؤها) أي هل من حجر ومدر أو خشب أو شعر (قال: لبنة من فضة ولبنة من ذهب) أي يناؤها مرصع منهما (وملاطها) بكسر الميم أي ما بين اللبنتين موضع النورة في النهاية الملاط الطين الذي يجعل بين ساقني البناء يملط به الحائط أي يخلط (المسك الأذفر) أي الشديد الريح (وحصباؤها) أي حصباؤها الصغار التي في الأنهار قال القاري. وقال صاحب أشعة اللمعات أي حصباؤها التي في الأنهار وغيرها. قلت: الظاهر هو العموم (اللؤلؤ والياقوت) أي مثلها في اللون والصفاء (وتربتها) أي مكان ترابها (الزعفران) أي الناعم الأصفر الطيب الريح فجمع بين الوان الزينة وهي البياض والحمرة والصفرة ويتكمل بالأشجار الملونة بالخضرة. ولما كان السواد يغم الفؤاد خص بأهل النار (من يدخلها ينعم لا ييأس) بفتح وسطهما في القاموس البأس العذاب والشدة في الحرب بؤس ككرم بأساً وبئس كسمع اشتدت حاجته (يخلد) أي يدوم فلا يتحول عنها (لا يموت) أي لا يفنى بل دائماً يبقى (ولا تبلى) بفتح أوله من باب سمع يسمع أي لا نخلق ولا تنقطع (ثيابهم) وكذا أثاثهم (ولا يفنى شبابهم) أي لا يهرمون ولا يخرفون ولا يغيرهم مضي الزمان قال القاضي: معناه أن الجنة دار الثبات والقرار وأن التغير لا يتطرق إليها فلا يشوب نعيمها بؤس ولا يعتريه فساد ولا تغيير، فإنها ليست دار الأضداد ومحل الكون والفساد (ثلاث) أي ثلاث نفوس في المشكاة والجامع الصغير ثلاثة بناء التأنيث، ثلاثة أشخاص أو ثلاثة رجال (الإمام العادل) أي منهم أو أحدهم الإمام العادل (والصائم حين يفطر) لأنه بعد عبادة، حال تضرع ومسكنة (ودعوة المظلومية) كان مقتضى الظاهر أن يقول والمظلوم، ولعله لما كانت المطلومية ليست بذاتها مطلوبة عدل عنه، قاله القاري. وقال الطيبي: أي دعوة الإمام ودعوة الصائم بدليل قوله ودعوة المظلوم ويكون بدلا من دعوتهم، وقرله يرفعها حال كذا قيل والأولى أن يكون أي يرفعها خبراً لقوله ودعوة المظلوم، وقطع هذا القسيم عن خرويه لشدة الاعتناء بشأن دعوة المظلوم، وقطع هذا القسيم عن خويه لشدة الاعتناء بشأن دعة المطلوم ولو فاجراً أو كافراً. وينصر هذا الوجه عطف قوله ويقول الرب على قوله ويفتح، فإنه لا يلائم الوجه الأول لأن ضمير يرفعها للدعوة حينئذ لا لدعوة المظلوم كما في الوجه الأول.
قال القاري: والظاهر أن الضمير على الوجهين لدعوة المظلوم وإنما بولغ في حقها لأنه لما ألحقه نار الظلم واحترقت أحشاءه خرج منه الدعاء بالتضرع والانكسار وحصل له حالة الاضطرار فيقل دعاءه كما قال تعالى: {أمن يجيب المضظر إذا دعاه ويكشف السوء} (يرفعها) أي الله (فوق الغمام) أي تجاوز الغمام، أي السحاب (ويفتح) أي الله لها أي لدعوته (لأنصرتك) بفتح الكاف أي أيها المظلوم ويكسرها أي أيتها الدعوة (ولو بعد حين) الحين يستعمل لمطلق الوقت ولستة أشهر ولأربعين سنة. والمعنى: لا أضيع حقك ولا أرد دعاءك ولو مضى زمان طويل لأني حليم لا أعجل عقوبة العباد لعلهم يرجعون عن الظلم والذنوب إلى إرضاء الخصوم والتوبة، وفيه إيماء إلى أنه تعالى يمهل الظالم ولا يهمله.
قوله: (هذا حديث ليس إسناده بذلك القوي، وليس هو عندي بمتصل) لأن في سنده زياد الطائي وهو مجهول، ومع هذا رواه عن أبي هريرة مرسلاً.
إعلم أن حديث أبي هريرة هذا مشتمل على أربعة أحاديث: فالأول من قوله: ما لنا إذا كنا عندك إلى قوله لزارتكم الملائكة في بيوتكم، وهذا أخرجه أحمد. والثاني من قوله: ولو لم تذنبوا إلى قوله فيغفر لهم. وهذا أخرجه مسلم. والثالث من قوله: قلت يا رسول الله مم خلق الخلق إلى قوله ولا يفنى شبابهم، وهذا أخرجه أحمد والدارمي والبزار والطبراني في الأوسط، وابن حبان في صحيحه. والرابع من قوله ثلاث لا ترد دعوتهم الخ، وهذا أخرجه أحمد وابن ماجه وأخرجه الترمذي أيضاً في الدعوات والمفهوم من كلام المنذري في صفة الجنة من كتاب الترغيب أن هذا الحديث بطوله عند أحمد والبزار والطبراني وابن حبان.
1592- باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الْجَنّة
2580- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، حدثنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ عن عَلِيٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لَغُرَفَاً يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا، فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْرَابِيٌ، فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا نَبِيّ الله؟ قَالَ: هِيَ لِمَنْ أَطَابَ الكَلاَمَ وَأَطْعَمَ الطّعَامَ وَأَدَامَ الصّيَامَ وَصَلّى للهبِالّليْلِ وَالنّاسُ نِيَامٌ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ. وَقَدْ تَكَلّمَ بَعْضُ أَهْلِ العلم في عَبْدِ الرحمنِ بنِ إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ، وَهُوَ كُوفِيٌ، وَعَبْدُ الرحمنِ بنُ إِسْحَاقَ القُرَشِيّ مدنيّ، وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا.
2581- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الصّمَدِ أَبو عبد الصمد العَمّيّ، عن أَبِي عِمرَانَ الْجَوْنِيّ، عن أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ، عن أَبِيهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ في الجَنّةِ جَنّتَيْنِ مِنْ فِصّةٍ آنَيْتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ آنَيْتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ القَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبّهِمْ إِلاّ رِدَاءُ الكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنّةِ عَدْنٍ" وَبِهَذَا الإِسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ لخيمةً مِنْ دُرّةٍ مُجَوّفَةٍ، عَرْضُهَا سِتّونَ مَيْلاً، فِي كُلّ زَاوِيَةٍ مِنْهَا أَهْلٌ مَا يَرَوْنَ الاَخَرِينَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ المُؤْمِنُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَونِيّ اسْمُهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ حَبِيبٍ، وَأَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي مُوسَى. قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: لاَ يُعْرَفُ اسْمُهُ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيّ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ قَيْسٍ وَأَبو مَالك الاشْعري اسمه سعد بن طارق بن أَشيم.
- قوله: (إن في الجنة لغرفاً) بضم الغين المعجمة وفتح الراء كصرد جمع غرفة بالضم وهي العلية، وهي بالفارسية بالأخانة.
قوله: (هذا حديث غريب)، تقدم هذا الحديث بسنده ومتنه في باب قول المعروف من أبواب البر والصلة وتقدم هناك شرحه.
قوله: (من قبل حفظه) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي من جهة حفظه (وهو كوفي) واسطي وقد تقدم ترجمته في باب قول المعروف (وعبد الرحمن ابن إسحاق القرشي مدين وهو أثبت من هذا) وقال أبو حاتم: وهو أصلح من الواسطي. وقال ابن سعد: هو أثبت من الواسطي، وحكى الترمذي في العلل عن البخاري أنه وثقه كذا في تهذيب التهذيب، وقد تقدم ترجمته في باب المسح على الجوربين والعمامة.
- قوله: (عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس) عبد الله بن قيس هذا هو أبو موسى الأشعري وابنه أبو بكر اسمه عمرو أو عامر ثقة من الثالثة (عن أبيه) أي عبد الله ابن قيس بن سليم بن حضار، كنيته أبو موسى الأشعري صحابي مشهور، أقره عمر ثم عثمان، وهو أحد الحكمين بصفين.
قوله: (إن في الجنة جنتين من فضة آنيتهما وما فيهما) أي من القصور والأثاث كالسرر وكفضبان الأشجار وأمثال ذلك قيل، قوله من فضة خبر آنيتهما والجملة صفة جنتين أو من فضة صفة قوله جنتين وخبر آنيهما محذوف أي آنيتهما وما فيهما كذلك، وكذا من جهة المبنى والمعنى قوله (وجنتين من ذهب آنيتهما وما فيهما) ثم ظاهره أن جنتين من فضة لا من ذهب وجنتين بالعكس فالجمع بينه وبين حديث صفة بناء الجنة من أن لبنة من ذهب ولبنة من فضة أن الأول صفة ما في الجنة من آنية وغيرها والثاني صفة حوائط الجنة. ويؤيده أنه وقع عند البيهقي في البعث في حديث أبي سعيد أن الله أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة (وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء). قال عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيراً وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها ومنه قوله تعالى (جناح الذل) فمخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لهم برداء الكبرياء على وجهه ونحو ذلك من هذا المعنى. ومن لم يفهم ذلك تاه، فمن أجرى الكلام على ظاهره أفضى به الأمر إلى التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يأولها، أن يقال استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانع إدراك أبصار البشر مع ضعفها لذلك رداء الكبرياء فإذا شاء تقوية أبصارهم وقلوبهم كشف عنهم حجاب هيبته وموانع عظمته انتهى ملخصاً. وقال الكرماني ما حاصله: إن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية فكان في الكلام حذفاً تقديره بعد قوله إلا رداء الكبرياء فإنه يمن عليهم يرفعه، فيحصل لهم الفوز بالنظر إليه، فكأن المراد أن المؤمنين إذا تبوأوا مقاعدهم من الجنة لولاما عندهم من هيبة ذي الجلال لما حال بينهم وبين الرؤية حائل، فاذا أراد إكرامهم حفهم برأفته وتفضل عليهم بتقويتهم على النظر إليه سبحانه.
قال الحافظ: ثم وجدت في حديث صهيب في تفسير قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} ما يدل على أن المراد برداء الكبرياء في حديث أبي موسى الحجاب المذكور في حديث صهيب وأنه سبحانه يكشف لأهل الجنة إكراماً لهم. والحديث عند مسلم والترمذي والنسائي وان خزيمة وابن حبان ولفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة يقول الله عز وجل تريدون شيئاً" أريدكم؟ فيقولون ألم تبيض وجوهنا وتدخلنا الجنة، قال فيكشف لهم الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم منه ثم تلاهذه الاَية: {الذين أحسنوا الحسنى وزيادة} أخرجه مسلم عقب حديث أبي موسى، ولعله أشار إلى تأويله به. وقال القرطبي في المفهم الرداء استعارة كنى بها عن العظمة كما في الحديث الاَخر: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، وليس المراد الثياب المحسوسة لكن المناسبة أن الرداء والإزار لما كانا متلازمين للمخاطب من العرب عبر عن العظمة والكبرياء بهما، ومعنى حديث الباب أن مقتضى عزة الله واستغنائه أن لا يراه أحد لكن رحمته المؤمنين اقتضت أن يريهم وجهه كما لا للنعمة، فإذا زال المانع فعل منهم خلاف مقتضى الكبرياء، فكأنه رفع عنهم حجاباً كان يمنعهم انتهى (على وجهه) حال من رداء الكبرياء (في جنة عدن) راجع إلى القوم. وقال عياض معناه راجع إلى الناظرين أي وهم في جنة عدن لا إلى الله فإنه لا تحويه الأمكنة سبحانه وتعالى. وقال القرطبي: متعلق بمحذوف في موضع الحال من القوم مثل كائنين في جنة عدن.
- قوله: (إن في الجنة لخيمة) أي عظيمة (مجوفة) أي واسعة الجوف (عرضها) وفي رواية طولها ويتحصل بالروايتين أن طولها وعرضها كل واحد منهما ستون ميلا (في كل زاوية) أي من الزوايا الأربع (منها) أي من تلك الخيمة (أهل) في رواية مسلم أهل المؤمن (لا يرون) أي ذلك الأهل وجمع باعتبار معناه (الاَخرين) أي الجمع الاَخرين من الأهل الكائنين في زاوية أخرى (يطوف عليهم) أي يدورو على جميعهم (المؤمن) قيل إن المعنى يجامع المؤمن الأهل وأن الطواف هنا كناية عن المجامعة.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وغيرهما.
1593- باب ما جَاءَ في صِفَةِ دَرَجَاتِ الْجَنّة
2582- حَدّثنا عَبّاسٌ العَنْبَرِيّ، حدثنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا شَرِيك عن مُحمّدِ بنِ جُحَادَةَ، عن عَطَاء، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "فِي الجَنّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلّ دَرَجَتَيْنِ مِائَةَ عَامٍ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسٌ غريبٌ.
2583- حدّثنا قُتَيْبَةُ وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدَةَ الضّبّيّ البصري قالا أَخْبَرنَا عبدُ العزِيزِ بنُ محمدٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَصَلّى الصّلوات وَحَجّ الْبَيْتَ، لا أَدْرِي أَذكَر الزَكَاةَ أَمْ لاَ، إِلاّ كَانَ حَقّاً عَلَى الله أَنْ يَغْفِرَ لَهُ إِنْ هَاجَرَ في سَبِيلِ الله أَوْ مكثَ بِأَرْضِهِ الّتِي وُلِدَ بِهَا. قال مُعَاذٌ: أَلاَ أُخْبِرُ بِهَذَا النّاسَ؟ فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ذَرِ النّاسَ يَعْمَلُونَ فَإِنّ في الْجَنّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَى الْجَنّةِ وَأَوْسَطُهَا وَفَوْقَ ذَلِكَ عَرْشُ الرّحمَنِ، وَمِنْهَا تُفَجّرُ أَنْهَارُ الْجَنّةِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ".
قال أبو عيسى: هكَذَا رُوِيَ هذا الحديثُ عن هِشَامِ بنِ سَعْدٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَار عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وهذا عِنْدِي أَصَحّ من حديثِ هَمّامٍ عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ. وَعَطَاءَ لم يُدْرِكْ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ، وَمُعَاذٌ قَدِيمُ المَوْتِ، مَاتَ في خِلاَفَةِ عُمَرَ.
2584- حدّثنا عبدُ الله بنُ عبدِ الرّحْمنِ، انبانَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ أخبرنا هَمّامٌ عن زَيدِ بنِ أَسْلَمَ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "في الجَنّةِ مِائَةُ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كلّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَالفِرْدَوْسُ أَعْلاَهَا دَرَجَةً، وَمِنْهَا تُفَجّرُ أَنْهَارُ الْجَنّةِ الأَرْبَعَةُ، وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ الله فَاسْأَلُوهُ الفَرْدَوْسَ".
2585- حدّثنا أَحمدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، حدثنا هَمّامٌ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ نَحْوَهُ.
2586- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا ابنُ لَهِيعَةَ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثمِ عن أَبِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ لَوْ أَنّ الْعَالَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنّ لَوَسِعَتهُمْ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ.
- قوله: (في الجنة مائة درجة) قال ابن الملك: المراد بالمائة ههنا الكثرة وبالدرجة المرقاة. قال القاري: الأظهر أن المراد بالدرجات المراتب العالية قال تعالى: {لهم درجات عند ربهم} أي ذوو درجات بحسب أعمالهم من الطاعات كما أن أهل النار أصحاب دركات متسافلة لقدر مراتبهم في شدة الكفر، كما يشير إليه قوله سبحانه: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} (مائة عام) أي مسيرة مائة عام. قال المناوي: وفي رواية خمسمائة، وفي أخرى أكثر وأقل ولا تعارض لاختلاف السير في السرعة والبطء والبين ذكر تقريباً للإفهام.
قوله: (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب والطبراني في الأوسط، إلا أنه قال ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام انتهى.
قوله: (لا أدري أذكر الزكاة أم لا) الظاهر أن قائله لا أدري هو عطاء بن يسار وفاعل ذكر هو معاذ بن جبل (إلا كان) كذا في النسخ الموجودة بزيادة إلا قبل كان، ولا يتقيم معناها ههنا، فهي زائدة وقد تكون هي زائدة كما في قوله الشاعر:
حراجيج ما تنفك إلا مناخة *** على الخسف أو ترمي بها بلداً فقراً
كذا في القاموس. وقد روى أحمد هذا الحديث في مسنده ولم يقع في روايته لفظ إلا (حقاً على الله) أي يوعده الصادق (ألا أخبر بها الناس) حتى يفرحوا بهذه البشارة (ذر الناس) أي أتركهم بلا بشارة (يعملون) أي يجتهدون في زيادة العبادة ولا يتكلون على هذا الإجمال (فإن في الجنة مائة درجة) قال القاري: يمكن أن يراه به الكثرة لما ورد من رواية البيهقي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: عدد درج الجنة عدد آي القرآن فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة. ويمكن أن يقال في الجنة مائة درجة لكل واحد من أهلها فيكون بيان أقل ما يكون فيها من أنواع السعة وأصناف النعمة (والفردوس) قال الحافظ: الفردوس هو البستان الذي يجمع كل شيء، وقيل هو الذي فيه العنب، وقيل هو بالرومية، وقيل بالقبطية، وقيل بالسريانية وبه جزم أبو أسحاق الزجاج انتهى. وقال في القاموس: الفردوس الأودية التي تنبت ضروباً من النبت والبستان يجمع كل ما يكون في البساتين يكون فيه الكروم وقد يؤنث عربية أورومية نقلت أو سريانية انتهى (أعلى الجنة وأوسطها) أي أعدلها وأفضلها وأوسعها وخيرها، ذكره السيوطي. قال الطيبي: النكتة في الجمع بين الأعلى والأوسط أنه أراد باحدهما الحسي والاَخر المعنوي. فإن وسط الشيء أفضله وخياره، وإنما كان كذلك لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية محفوظة. وقال ابن حبان: المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية (ومنها) أي من الفردوس (تفجر) بصيغة المجهول أي تشقق وتجري (أنهار الجنة) أي أصول الأنهار الأربعة من الماء واللبن والخمر والعسل (فإذا سألتم الله) أي الجنة (فاسألوه) وفي بعض النسخ فسلوه بالتخفيف والنقل أي فاطلبوا منه (الفردوس) لأنه أفضلها وأعلاها.
قوله: (هكذا روى هذا الحديث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل وهذا عندي أصح) وأخرجه البخاري من طريق هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة. قال الحافظ في الفتح: رواه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار فاختلف عليه، فقال هشام بن سعد وحفص ابن ميسرة والدراوردي عنه عن عطاء عن معاذ بن جبل أخرجه الترمذي وابن ماجه. وقال همام عن زيد عن عطاء عن عبادة بن الصامت أخرجه الترمذي والحاكم ورجح رواية الدراوردي ومن تابعه على رواية همام ولم يتعرض لرواية هلال مع أن بين عطاء بن يسار ومعاذ انقطاعاً انتهى.
- قوله: (والفردوس) أي الجنة المسماة بالفردوس المذكور في القرآن في قوله تعالى: {قد أفلح المؤمنون} إلى قوله {أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس} (أعلاها) أي أعلى سائر الجنان (ومنها) أي من جنة الفردوس (تفجر أنهار الجنة الأربعة) بالرفع صفة لأنهار وهي أنهار الماء واللبن والخمر والعسل المذكورة في القرآن وفيها أنهار من ماء غير اسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى (ومن فوقها يكون العرش) يدل هذا على أن الفردوس فوق جميع الجنان، ولذا قال صلى الله عليه وسلم تعليماً للأمة وتعظيما للهمة (فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس) وفي بعض النسخ فسلوه بالتخفيف وحديث عبادة هذا أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والحاكم.
- قوله: (لو أن العالمين) بفتح اللام أي جميع الخلق اجتمعوا جميعاً (لو سعتم) أي لكفتهم لسعتها المفرطة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن حبان من وجه اخر وصححه قاله القاري.
1594- باب في صِفَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ
2587- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ، أخبرنا فَرْوَةُ بنُ أَبِي المَغْرَاءِ، أَخْبَرنَا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ عن عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، عن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ المَرْأَةَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ لَيُرَى بَيَاضُ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ سَبْعِينَ حُلّةً حَتّى يُرَى مُخّهَا وَذَلِكَ بِأَنّ الله تَعَالَى يَقُولُ: {كَأَنّهُنّ الْيَاقُوتُ وَالمَرْجَانُ} فَأَمّا اليَاقُوتَ فَإِنّهُ حَجَرٌ لَوْ أَدْخَلْتَ فِيهِ سِلْكاً، ثُمّ اسْتَصْفَيْتَهُ لأُريتَهُ مِنْ وَرَائِهِ".
2588- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ عنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ عَن عَمْرِو بن مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
2589- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَن عَطَاءِ بنِ السَائِبِ عَن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عَن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ، وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدَةَ بنِ حُمَيْدٍ. وَهَكَذَا رَوَى جَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ السّائِبِ، وَلَمْ يَرْفَعُوهُ.
حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن عطاء بن السائب نحو حديث ابي الاحوص ولم يرفعه أَصحاب عطاءٍ وهذا اصح.
2590- حدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكيعٍ، أخبرنا أَبي عن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُوق عن عَطيّةَ عن ابِي سَعِيدٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنّ أَوّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ وَالزّمْرَةُ الثّانِيَةُ عَلَى مِثْلِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرّيّ في السّمَاءِ، لِكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ عَلَى كلّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلّةً يُرَى مُخّ سَاقِهَا مِنْ ورَائِهَا".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2591- حدّثنا العَبّاسُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى، أخبرنا شَيْبَانُ عن فِرَاسٍ عن عَطِيّةَ عن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَوّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنّةَ عَلَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالثّانِيَةُ عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرّيّ في السّمَاءِ، لِكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، عَلَى كُلّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلّةً يَبْدُو مُخّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا".
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ).
- قوله: (أخبرنا فروة بن أبي المغراء) بفتح الميم والمد واسم أبيه معد يكرب الكندي، يكنى أبا القاسم، كوفي صدوق من العاشرة (أخبرنا عبيدة) بفتح أوله وكسر الموحدة.
قوله: (ليرى) بصيغة المجهول (مخها) بالضم والدماغ (كأنهن الياقوت) أي صفاء (والمرجان) أي اللؤلؤ بياضاً. قال في القاموس: المرجان صغار اللؤلؤ (ثم استصفيته) المراد باستصفاء الياقوت هنا، جعله صافياً ونقياً من الكدورة ونحوها مما يكدره، وحديث ابن مسعود هذا أخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا وابن حبان في صحيحه.
- قوله: (إن أول زمرة) أي جماعة وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (على مثل ضوء القمر ليلة البدر) أي وجوههم على مثل ضوء القمر ليلة البدر (والزمرة الثانية) وهم الأولياء والصلحاء على اختلاف مراتبهم في الضياء على كل زوجة سبعون حلة بضم حاء وتشديد لام ولا تطلق غالباً إلا على ثوبين (يرى) أي يبصر (مخ ساقها) أي مخ عظام ساق كل زوجة (من ورائها) أي من فوق حللها السبعين لكمال لطافة أعضائها وثيابها. قال القاري: والتوفيق بينه وبين خبر أدنى أهل الجنة من له ثنتان وسبعون زوجة وثمانون ألف خادم بأن يقال يكون لكل منهم زوجتان موصوفتان بأن يرى مخ ساقها من ورائها وهذا لا ينافي أن يحصل لكل مهنم كثير من الحور العين الغير البالغة إلى هذه الغلية كذا قيل والأظهر أنه تكون لكل زوجتان من نساء الدنيا، وأن أدنى أهل الجنة من له ثنتان وسبعون زوجة في الجملة يعني ثنتين من نساء الدنيا وسبعين من الحور العين انتهى. وقال الحافظ في الفتح: قوله ولكل واحد، منهم زوجتان أي من نساء الدنيا، فقد روى أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة مرفوعاً في صفة: أدنى أهل الجنة منزلة وأن لكلك منهم- من الحور العين- ثنتين وسبعين زوجة سوى أزواجه من الدنيا وفي سنده شهر بن حوشب وفيه مقال. ولأبي يعلى في حديث الصور الطويل من وجه آخر عن أبي هريرة في حديث مرفوع: فيدخل الرجل على ثنتين وسبعين زوجة مما ينشيء الله وزوجتين من ولد آدم. قال والذي يظهر أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان، وقد أجاب بعضهم باحتمال أن تكون التثنية تطيراً لقوله: جنتان وعينان ونحو ذلك أو المراد تثنية التكثير والتعظيم نحو لبيك وسعديك ولا يخفى ما فيه انتهى ملخصاً.
قلت: روى البخاري في صحيحه في صفة الجنة عن أبي هريرة مرفوعاً: أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر: الحديث وفيه: ولكل واحد منهم زوجتان. ورواه من طريق آخر وفيه ولكل امرئ زوجتان من الحور العين. فقول الحافظ وغيره في تفسير قوله: ولكل واحد منهم زوجتان أي من نساء الدنيا ليس بصحيح فإن الروايات يفسر بعضها بعضاً، فالظاهر أن أقل ما لكل واحد منهم زوجتان كما قال الحافظ والله تعالى أعلم.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد.
قوله: (على لون أحسن كوكب دري) قال في النهاية: الكوكب الدري الشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر تشبيهاً به لصفاته. وقال الفراء هو عند العرب العظيم المقدار، وقيل هو أحد الكواكب الخمسة السيارة انتهى (يبدو) أي يظهر.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد.
1595- باب ما جَاءَ في صِفَةِ جِمَاعِ أَهْلِ الْجَنّة
2592- حَدّثنا مُحَمّدُ بنُ بَشّارٍ وَمَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالا: حدثنَا أَبُو دَاوُدَ الطّيَالِسِيّ عَن عُمْرَانَ القَطّانِ، عن قتادة عن أَنَسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُعْطَى المُؤمِنُ في الْجَنّةِ قُوّةَ كَذَا وكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ، قيِلَ يَا رَسُولَ الله أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: يُعْطَى قُوّةَ مِائَةٍ".
وفي البابِ عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عن أَنَسٍ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ القَطّانِ.
- قوله: (يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع) قال في اللمعات: أي قوة جماع كذا وكذا من النساء، فكذا وكذا كناية عن عدد النساء كعشرين وثلاثين مثلا فافهم انتهى وقيل كناية عن مرات الجماع كعشرين مرة أو ثلاثين أو أربعين أو مائة ونحوها (أو يطيق ذلك) بفتح الواو أي يعطي تلك القوة ويستطيع ذلك المقدار، والإشارة إلى مضمون قوله كذا وكذا من الجماع (يعطي قوة مائة) أي مائة رجل. والمعنى فإذا كان كذلك فهو يطيق ذلك.
قوله: (وفي الباب عن زيد بن أرقم) قال جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أبا القاسم تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون؟ قال نعم والذي نفس محمد بيده إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في الأكل والشرب والجماع. قال فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة وليس في الجنة أذى، قال تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم كرشح المسك فيضمر بطنه. أخرجه أحمد والنسائي. قال المنذري ورواته محتج بهم في الصحيح. قال ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم ثم ذكر لفظهما.
قوله: (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه.
1596- باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْل الْجَنّة
2593- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا مَعْمَرٌ عن هَمّامِ بنِ مُنَبّهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَوّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لاَ يَبْصُقُونَ وَلاَ يَتَمَخّطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَطُونَ، آنيَتُهُمْ فِيهَا مِنَ الذّهَبِ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذّهَبِ وَالفِضَةِ وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الالوّةِ وَرَشحُهُمْ المِسْكُ، وَلِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ يُرَى مُخّ سُوْقِهِمَا منْ وَرَاءِ الّلحْمِ مِنَ الْحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ قُلُوبُهُمْ قَلْبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ يُسَبّحونَ الله بُكْرَةً وَعَشِيّا".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ. والأَلُوّةُ: هو العُودُ.
2594- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا ابنُ لَهِيعَةَ، عنْ يَزِيدَ بنِ أَبي حَبِيبٍ، عنْ دَاوُدَ بنِ عَامِرٍ بنِ سَعد بن أَبي وَقّاصٍ عنْ أَبِيهِ عنْ جَدّهِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ أَنّ مَا يُقِلّ ظُفُرٌ مِمّا فِي الْجَنّةِ بَدَا لَتَزَخْرَفَتْ لَهُ مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَوْ أَنّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ اطّلَعَ فَبَدَا أَسَاوِرُهُ لَطَمَسَ ضَوْءَ الشّمْسِ كَمَا تَطْمَسُ الشّمْسُ ضَوْءَ النّجُوم".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ لاَ نَعْرِفُهُ بِهَذَا الإِسْنَادِ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ ابنِ لَهِيْعَةَ. وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بنُ أَيّوبَ هَذَا الْحَدِيثَ عنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، وَقَالَ عنْ عُمَرَ بنِ سَعْدِ بنِ أَبي وَقّاصٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.
- قوله: (تلج الجنة) من الولوج أي تدخل (صورتهم على صورة القمر ليلة البدر) أي في الإضاءة (لا يبصقون) قال في القاموس: البصاق كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج منه، وما دام فيه فهو ريق، وبصق بزق انتهى (ولا يمتخطون) وفي بعض النسخ ولا يتمخطون: أي ليس في أنفهم من المياه الزائدة والمواد الفاسدة ليحتاجوا إلى إخراجها ولأن الجنة مساكن طيبة للطيبين فلا يلائمها الأدناس والأنجاس. قال ابن الجوزي: لما كانت أغذية أهل الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لم يكن فيها أذى ولا فضلة تستقذر بل يتولد عن تلك الأغغذية أطيب ريح وأحسنه (آنيتهم فيها من الذهب وأمشاطهم من الذهب والفضة).
وفي رواية للبخاري آتيتهم من الذهب والفضة وأمشاطهم من الذهب.
قال الحافظ: وكأنه اكتفى في الموضعين ذكر أحدهما عن الاَخر فإنه يحتمل أن يكون الصنفان لكل منهم ويحتمل أن يكون أحد الصنفين لبعضهم والاَخر للبعض الاَخر، ويؤيد حديث أبي موسى مرفوعاً: جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه. ويؤيد الأولى ما أخرجه الطبراني بإسناد قوي عن أنس مرفوعاً: إن أدنى أهل الجنة درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة الحديث انتهى. والأمشاط جمع مشط بتثليث الميم والأفصح ضمها آلة يمتشط بها (ومجامرهم من الألوة).
قال في النهاية: المجامر جمع مجمر ومجمر فالمجمر بكسر الميم هو الذي يوضع فيه النار للبخور، والمجمر بالضم الذي يتبخر به وأعد له الجمر وهو المراد في هذا الحديث أي أن بخورهم بالألوة وهو العود انتهى. وفي رواية للبخاري: ووقوه مجامرهم الألوة فعلى هذه الرواية المجامر جمع مجمر بكسر الميم أي ما يوقد به مباخرهم الألوة وهي بفتح الهمزة ويجوز ضمها وبضم اللام وتشديد الواو. وحكى ابن التين كسر الهمزة. وتخفيف الواو والهمزة أصلية وقيل زائدة: قال النووي: هو العود الهندي، وقد يقال إن رائحة العود إنما تفوح بوضعه في النار والجنة لا نار فيها، ويجلب باحتمال أن يشتعل بغير نار بل بقوله كن، وإنما سميت مجمرة باعتبار ما كان في الأصل، ويحتمل أن يشتعل بنار لا ضرر فيها ولا إحراق، أو يفوح بغير اشتعال.
وقال القرطبي: قد يقال أي حاجة لهم إلى المشط وهم مرد وشعورهم لا تتسخ، وأي حاجة لهم إلى البخور وريحهم أطيب من المسك، قال ويجاب بأن نعيم أهل الجنة من أكل وشرب وكسوة وطيب ليس عن ألم جوع أو ظمأ أو عرى أو نتن وإنما هي لذات متتالية ونعم متوالية، والحكمة في ذلك أنهم ينعمون بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا. وقال النووي: مذهب أهل السنة أن تنعم أهل الجنة على هيئة تنعم أهل الدنيا إلا ما بينهما من التفاضل في اللذة ودل الكتاب والسنة على أن نعيمهم لا انقطاع له كذا في الفتح (ورشحهم) أي عرفهم (المسك) أي رائحة المسك. والمعنى رائحة عرفهم المسك فهو تشبيه بليغ (ولكل واحد منهم زوجتان) وفي رواية للبخاري: ولكل امرئ زوجتان من الحور العين. قال الطيبي: الظاهرة أن التثنية للتكرير لا للتحديد كقوله تعالى: (فارجع البصر كرتين) لأنه قد جاء أن للواحد من أهل الجنة العدد الكثير من الحور العين وقد تقدم الكلام في هذا في باب صفة نساء أهل الجنة (من الحسن قال الطيبي رحمه الله:) هو تتميم صوناً من توهم ما يتصور في تلك الرؤية مما ينفر عنه الطبع، والحسن هو الصفاء ورقة البشرة ونعومة الأعضاء (لا اختلاف بينهم ولا تباغض) قال تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناف على سرر متقابلين} (قلوبهم قلب رجل واحد) أي في الاتفاق والمحبة (يسبحون الله بكرة وعشياً) قال الحافظ: أي قدرهما، قال القرطبي: هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: يلهمون التسبيح والتكبير كما يلهمون النفس، ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه ولا بد له منه فجعل تنفسهم تسبيحاً وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره. وقد وقع في خبر ضعيف: أن تحت العرش ستارة معلقة فيه ثم تطوى فإذا نشرت كانت علامة البكور وإذا طويت كانت علامة العشي انتهى. وقال الطيبي: يراد بهما الديمومة كما تقول العرب: أنا عند فلان صباحاً ومساء، لا يقصد الوقتين المعلومين بل الديمومة انتهى.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان.
قوله: (عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص) الزهري المدني ثقة من السادسة (عن أبيه) أي عامر في سعد بن أبي وقاص الزهري المدني ثقة من الثالثة (عن جده) أي سعد بن أبي وقاص.
- قوله: (لو أن ما يقل) بضم الياء وكسر القاف وتشديد اللام، أي يحمله (ظفر) بضمتين ويسكن الثاني. قال الطيبي: ما موصولة والعائد محذوف، أي ما يقله. وقال القاضي: أي قدر ما يستقل بحمله ظفر ويحمل عليها (مما في الجنة) أي من نعيمها (بدا) أي ظهر في الدنيا للناظرين (لتزخرفت) أي تزينت (له) أي لذلك المقدار وسببه (ما بين خوافق السموات والأرض) قال القاضي: الخوافق جمع خافقة هي الجانب وهي في الأصل الجوانب التي تخرج منها الرياح من الخفقان، ويقال الخافقان المشرق والمغرب. قال الطيبي: وتأنيث الفعل لأن ما بين بمعنى الأماكن كما في قوله تعالى: {أضاءت ما حوله} في وجه (اطلع) بتشديد الطاء أي أشرف على أهل الدنيا (فبدا) أي ظهر (أساوره) جمع أسورة جمع سوار، والمراد بعض اساوره. ففي الترغيب فبدأ سواره (لطمس) أي محا ضوء أساوره (ضوء الشمس) بالنصب على المفعولية.
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجهابن أبي الدنيا.
قوله: (وقد روى يحيى بن أيوب) هو الغافقي (عن عمر بن سعد بن أبي وقاص) المدني نزيل الكوفة صدوق لكن مقته الناس لكونه كان أميراً على الجيش الذين قتلوا الحسين بن علي من الثانية قتله المختار سنة خمس وستين أو بعدها ووهم من ذكره من الصحابة فقد جزم ابن معين بأنه ولد يوم مات عمر بن الخطاب كذا في التقريب (عن النبي صلى الله عليه وسلم) وهذا المرسل.
1597- باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ ثِيَاب أَهْلِ الْجَنّة
2595- حَدّثنا مُحمدُ بنُ بَشّارٍ وَأَبُو هِشَامٍ الرّفَاعِيّ، قَالاَ: حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، عن أَبِيهِ عن عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنّةِ جُرْدٌ مُرْدٌ كَحْلَى لاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ، وَلاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2596- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدٍ عنْ عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ، عَنْ دَرّاجٍ أَبي السّمْحِ، عَنْ أَبِي الهَيْثَمِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ {وَفُرُشٌ مَرْفُوعَةٌ} قَالَ: "ارْتِفَاعُهَا لَكَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمَائَةِ عَامٍ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ: إنّ مَعْنَاهُ أَنّ الفُرُشَ في الدّرَجَاتِ وَبَيْنَ الدّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السّمَاءِ وَالأَرْضِ.
- قوله: (عن أبيه) أي هشام بن أبي عبد الله سنبر، كنيته أبو بكر البصري الدستوائي ثقة ثبت وقد رمى بالقدر من كبار السابعة (عن عامر الأحوال) قال في التقريب: عامر بن عبد الواحد الأحول البصري صدوق يخطئ من السادسة وهو عامر الأحول الذي يروي عن عائذ بن عمرو المزني والصحابي انتهى.
قوله: (أهل الجنة جرد) بضم جيم وسكون راء جمع أجرد: وهو الذي لا شعر على جسده وضده الأشعر (مرد) جمع أمرد وهو غلام لا شعر على ذقنه وقد يراد به الحسن بناء على الغالب (كحلى) بفتح الكاف فعلى بمعنى فعيل، أي مكحول، وهو عين في أجفانها سواد خلقه كذا قيل، وقال في النهاية: الكحل بفتحتين سواد في أجفان العين خلقة والرجل أكحل وكحيل وكحلى جمع كحيل (لا يفني شبابهم) بل كل منهم في سن ابن ثلاث وثلاثين دائماً (ولا تبلى ثيابهم) أي لا يلحقها البلى أو لا يزال عليهم الثياب الجدد.
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارمي.
- قوله: (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (ارتفاعها) أي ارتفاع فرش الجنة، وقيل ارتفاع الدرجة التي فرشت للفرش المرفوعة فيها وهو مبتدأ وخبره لكما بين السماء والأرض. (مسيرة خمسمائة عام) بدل من ما قبله أو بيان له. والمعنى أن ارتفاع الفرش المفروشة في الجنة مثل مسافة ما بين السماء والأرض أي مسافة خمسمائة عام. وروى الترمذي هذا الحديث بهذا الإسناد في تفسير سورة الواقعة ولفظه: ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام ومعناه ظاهر أي ارتفاع الفرش المفروشة في الجنة مثل سميرة ما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، فارتفاع الفرش المفروشة في الجنة مسيرة خمسمائة عام، فمعنى اللفظ الذي ذكره هنا واللفظ الذي ذكره في التفسير واحد (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد والنسائي وابن أبي الدنيا. قال المنذري: ورواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهما من حديث ابن وهب أيضاً عن عمرو ابن الحارث عن دراج انتهى (وقال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث معناه أن الفرش في الدرجات وبين الدرجات كما بين السماء والأرض) هذا المعنى موافق للمعنى الثاني الذي ذكرناه، أي ارتفاع الدرجة التي فرشت الفرش المرفوعة فيها. وقال التوربشتي: قول من قال المراد منه ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات وما بين كل درجتين من الدرجات كما بين السماء والأرض هذا القول أوثق وذلك لما في الحديث: أن للجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض انتهى.
1598- باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ ثِمَارِ اهل الْجَنّة
2597- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحمّدٍ بنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بنِ عباطد بن عَبْدِ الله بنِ الزّبَيْرِ عن أَبِيهِ عَنْ عائشة عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبي بَكْرٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَذُكِرَ سِدْرَةَ المُنْتَهَى قَالَ: "يَسِيرُ الراكِبُ في ظِلّ الفَنَنِ مِنْهَا مِائَةَ سَنَةٍ، أَوْ يَسْتَظِلّ بِظِلّهَا مِائَةُ رَاكِبٍ شَكّ يَحْيَى، فِيهَا فِرَاشُ الذّهَبِ كَأَنّ ثَمَرَهَا القِلاَلُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ.
- قوله: (عن يحيى عبد الله بن الزبير) بن العوام المدني ثقة من الخامسة (عن أبيه) أي عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام كان قاضي مكة زمن أبيه وخليفته إذا حج، ثقة من الثالثة.
قوله: (وذكر سدرة المنتهى) قيل هي شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش ثمرها كقلال هجر، ووقع ذكر سدرة المتهى في حديث المعراج عند الشيخين ولفظ البخاري: ثم رفعت إلى سدرة المتهي فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة.
قال الحافظ: وقع بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى في حديث ابن مسعود عند مسلم ولفظه: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتهى بي إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السادسة وإليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها. وقال النووي: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (يسير الراكب) أي المجد (في ظل الفنن) محركة أي الغصن وجمعه الأفنان ومنه قوله تعالى {ذواتا أفنان} ويقال ذلك للنوع وجمعه فنون كذا حققه الراغب (منها) أي من السدرة أو يستظل بظلها مائة راكب أو للشك (شك يحيى) أي ابن عباد المذكور في السند فيها أي في سدرة المنتهى. والمعنى فيما بين أغصانها أو عليها بمعنى فوقها مما يغشاها (فراش الذهب) بفتح الفاء جمع فراشة وهي التي تطير وتتهافت في السراج قيل هذا تفسير قوله تعالى: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} ومنه أخذ ابن مسعوذ حيث فسر ما يغشى بقوله يغشاها فراش من ذهب. قال البيضاوي: وذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل لأن من شأن الشجر أن يسقط عليها الجراد وشبهه وجعلها من الذهب الصفاء لونها وإضاءتها في نفسها انتهى.
قال الحافظ: ويجوز أن يكون من الذهب حقيقة ويخلق فيه الطيران والقدرة صالحة لذلك إنتهى. (كأن ثمرها القلال) بكسر القاف، جمع القلة. أي قلال هجر في الكبر.
1599- باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ طَيْرِ الْجَنّة
2598- حَدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ، عن مُحمّدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمٍ، عن أَبِيهِ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ما الكَوْثَرُ؟ قَالَ: "ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهُ الله يَعْنِي في الجَنّةِ أَشَدّ بَيَاضاً مِنَ الّلبَنِ وَأَحْلَى مِنَ العَسَلِ فِيهِ طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ". قال عُمَرُ: إِنّ هَذِهِ لَنَاعِمَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَكْلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وَمُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ مُسْلِمٍ هُوَ ابنُ أَخِي ابنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وعبدُ الله بنِ مسلم قد رَوَى عن ابنِ عمر وَانسَ بنَ مالك.
- قوله: (أخبرنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي الحارثي أبو عبد الرحمن البصري أصله من المدينة وسكنها مدة ثقة عابد من صغار التاسعة (عن محمد بن عبد الله بن مسلم) بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدني ابن أخي الزهري صدوق له أوهام من السادسة (عن أبيه) أي عبد الله بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة الزهري المدني، كنيته أبو محمد أخو الزهري، الإمام ثقة من الثالثة مات قبل أخيه.
قوله: (ذلك نهر أعطانيه الله) وفي صحيح مسلم من طريق المختار بن فلفل عن أنس: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: نزلت على سورة، فقرأ {بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر} إلى آخرها ثم قال: اتدرون ما الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم، قال: فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة الحديث (يعني في الجنة) هذا قول الراوي. وروى الحاكم عن أنس مرفوعاً: الكوثر نهر أعطانيه الله في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل الحديث (فيه) أي في ذلك النهر أو في أطرافه (طير أعناقها كأعناق الجزر) بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو البعير (إن هذه) أي الطير فإنه يذكر ويؤنث (لناعمة) أي سمان مترفة كذا في النهاية (أكلتها) ضبط في النسخة الأحمدية بفتح الهمزة والكاف واللام وبمد الهمزة وكسر الكاف. فعلى الأول جمع آكل اسم فاعل كطلبه جمع طالب. والمعنى من يأكلها، وعلى الثاني مؤنث أكل وصيغة الواحد المؤنث قد تستعمل للجماعة.
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد بإسناد جيد ولفظه: إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة، فقال أبو بكر يا رسول الله إن هذه الطير ناعمة فقال: أكلتها أنعم منها قالها ثلاثاً وأني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها كذا في الترغيب.
1600- باب ما جَاءَ فِي صِفَةِ خَيْلِ الْجَنّة
قال في القاموس: الخيل جماعة الأفراس لا واحد له أو واحده خائل لأنه يختال انتهى
2599- حَدّثنا عُبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرَحْمنِ قال: أخبرنا عَاصِمُ بنُ عليٍ، أخبرنا المَسْعُودِيّ عن عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عن سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيُدَةً، عن أَبِيهِ: "أَنّ رَجُلاً سَأَلَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله هَلْ فِي الْجَنّةِ مِنْ خَيْلٍ؟ قَالَ: "إِنْ أَدْخَلَكَ الله الْجَنّةَ فَلاَ تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَا قُوتِةٍ حَمْرَاءَ تَطِيرُ بِكَ فِي الْجَنّةِ حَيْثُ شِئْتَ إِلاّ فَعَلْتَ". قَالَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسولَ الله هَلْ في الْجَنّةِ مِنْ إِبْلٍ؟ قَالَ: فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مثل مَا قَالَ لصَاحِبِهِ فَقَالَ: "إِنْ يُدْخِلْكَ الله الْجَنّةَ، يَكَنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ ولذّتْ عَيْنُكَ".
2600- حدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، عن سُفْيَانَ عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مرثدٍ عن عَبْدِ الرّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ. وَهَذَا أَصَحّ حَدِيثِ المَسْعُودِيّ.
2601- حدّثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنُ سَمُرَةَ الأَحْمَسِيّ، حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عن وَاصِلِ هو ابن السّائِبِ، عن أَبي سَوْرَةَ عن أَبي أَيّوبَ قَالَ: أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابيٌ. فَقَالَ يَا رَسُولَ الله: إِنّي أُحِبّ الْخَيْلَ أَفِي الْجَنّةِ خَيْلٌ؟ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ، ثُمْ طَارَ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيّ وَلاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيّوبَ إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وَأَبُو سَوْرَةَ هُوَ ابنُ أَخِي أَبِي أَيّوبَ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ ضَعّفَهُ يَحْيَى بنُ مُعِينٍ جِداً قال: وَسَمِعْتُ مُحمّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ: أَبُو سَوْرَةَ هَذَا مُنَكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي مَنَاكِيرَ عن أَبِي أَيّوبَ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْهَا.
- قوله: (أخبرنا عاصم بن علي) بن عاصم بن صهيب الواسطي أو الحين التيمي مولاهم صدوق ربما وهم من التاسعة (عن سليمان بن بريدة) بن الحصيب الأسلمي المروزي قاضيها ثقة من الثالثة.
قوله: (إن الله) بكسر الهمزة وسكون النون على أن إن شرطية ثم كسر للالتقاء. قال الطيبي: الله مرفوع بفعل يفسره ما بعده وهو (أدخلك الجنة) ولا يجوز رفعه على الابتداء لوقوعه بعد حرف الشرط. وقوله (فلا تشاء أن تحمل فيها) جواب للشرط أي فلا تشاء الحمل في الجنة (على فرس من ياقوته حمراء تطير) بصيغة المؤنث والضمير يرجع إلى فرس. قال في القاموس: الفرس للذكر والأنثى (حيث شئت) أي طيرانه بك (إلا فعلت) لا يوجد هذا اللفظ في بعض نسخ الترمذي. وأورد صاحب المشكاة هذا الحديث نقلا عن الترمذي مع هذا اللفظ. قال القاري في شرح قوله: إلا فعلت بصيغة المخاطب المذكر المعلوم. والمعنى إن تشاء تفعله. وفي نسخة يعني من المشكاة على بناء المجهول أي حملت عليها وركبت، وفي أخرى بتاء التأنيث الساكنة فالضمير للفرس أي حملتك. قال القاضي رحمه الله: تقدير الكلام إن أدخلك الجنة الله فلا تشاء أن تحمل على فرس كذلك إلا حملت عليه. والمعنى أنه ما من شيء تشتهيه الأنفس إلا وتجده في الجنة كيف شاءت حتى لو اشتهيت أن تركب فرساً على هذه الصفة لوجدته وتمكنته منه. ويحتمل أن يكون المراد: إن أدخلك الله الجنة فلا تشاء أن يكون لك مركب من ياقوته حمراء يطير بك حيث شئت ولا ترضى به فتطلب فرساً من جنس ما تجده في الدنيا حقيقة وصفه. والمعنى: فيكون لك من المراكب ما يغيك عن الفرس المعهود. ويدل على هذا ما جاء في الرواية الأخرى وهو: إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوته له جناحان فحملت عليه. ولعله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبين الفرق بين مراكب الجنة ومراكب الدنيا وما بينهما من التفاوت على التصوير والتمثيل مثل فرس الجنة في جوهره بما هو عندنا أثبت الجواهر وأدوسها وجوداً وأنصعها لوناً وأصفاها جوهراً وفي شدة حركته وسرعة أنتقاله بالطير، وأكد ذلك في الرواية الأخرى بقوله جناحان. قال الطيبي: الوجه الأول ذهب إليه الشيخ التورشتي، وتقدير قوله إلا حملت يقتضي أن يروي قوله إلا فعلت على بناء المفعول فإنه استثناء مفرغ أي لا تكون بمطوبك إلا مسعفاً إذا ترك على بناء الفاعل كان التقدير فلا تكون بمطلوبك إلا فائزاً، والوجه الثاني من الوجهين السابقين قريب من أسلوب الحكيم، فإن الرجل سأل عن الفرس المتعارف في الدنيا فأجابه صلى الله عليه وسلم بما في الجنة أي اترك ما طلبته، فإنك مستغن عنه بهذا المركب الموصوف انتهى (قال) أي بريدة (فلم يقل له ما قال لصاحبه) أي مثل مقوله لصاحبه كما سبق بل أجابه مختصراً 2ب فقال إن يدخلك الله الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك) أي وجدت عينك لذيذة. قال في القاموس لذه وبه لذاذاً وجده لذيذاً ولذاذة انتهى. وفيه إشارة إلى قوله تعالى "وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين"
قوله: (هذا أصح من حديث المسعودي) أي حديث سفيان وهو الثوري عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً أصح من حديث المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه متصلاً، وهذا لأن سفيان أوثق وأتقن من المسعودي.
- قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي) بمهملتين أبو جعفر السراج ثقة من العاشرة (عن واصل بن السائب) الرقاشي أبي يحيحى البصري ضعيف من السادسة (عن أبي سورة) بفتح أوله وسكون الواو بعدها راء الأنصاري ابن أخي أبي أيوب ضعيف من الثالثة.
قوله: (إني أحب الخيل) أي في الدنيا (إن أدخلت) بالبناء للمفعول وفتح التاء (الجنة) أي إن أدخلك الله تعالى إياها (أتيت) أي جئت (بفرس من ياقوته) قال القاري: قيل أراد الجنس المعهود مخلوقاً من أنفس الجواهر وقيل إن هناك مركباً من جنس آخر يغنيك عن المعهود كما مر، والأخير أظهر لقوله (له جناحان) يطير بهما كالطائر (فحملت عليه) بصيغة المجهول أي اركبته والمركب الملائكة (ثم طار) أي ذلك الفرس (بك حيث شئت) ومقصود الحديث أن ما من شيء تشتهيه النفس في الجنة إلا تجده فيها حتى لو اشتهى أن يركب فرساً وجده بهذه الصفة.
قوله: (هذا حديث ليس إسناده بالقوس) لأن في سنده واصل بن السائب وأبا سورة وهما ضعيفان كما عرفت.
1601- باب ما جَاءَ فِي سِنّ أَهْلِ الْجَنّة
2602- حَدّثنا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحمّدُ بنُ فِرَاسٍ البَصْرِيّ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاوُدَ، أَخْبَرنَا عِمْرَانُ أَبُو العُوّامِ عن قَتَادَةَ عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بَنِ غَنْمٍ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ "يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ جُرْداً مُرْداً مُكَحّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلاَثِينَ أَوْ ثَلاَثِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ قَتَادَةَ رَوَوْا هَذَا عَنْ قَتَادَةَ مُرْسَلاً وَلَمْ يُسْنِدُوه.
قوله: (أخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (أخبرنا عمران ابن العوام) القطان البصري.
قوله: (يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين) أي خلقة (أبناء ثلاثين أو ثلاث وثلاثين سنة) أو للشك من الراوي، وقد وقع في حديث أبي هريرة عند أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي أبناء ثلاث وثلاثين بالجزم، وكذا في حديث المقدام عند البيهقي بإسناد حسن على ما في الترغيب.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد في مسنده، وأخرج أيضاً الرواية المرسلة التي أشار إليها الترمذي بعد هذا.
1602- باب مَا جَاءَ في كمْ صَفّ أَهْلُ الْجَنّة
2603- حَدّثنا حُسَيْنُ بنُ يَزِيدَ الطَحّانُ الكُوفيّ، حدثنَا مُحمّدُ بنُ فُضَيْلٍ، عن ضِرَارِ بنِ مُرّةَ، عن مُحَارِبِ بن دِثَارٍ، عن ابنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍ: ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمّةِ، وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن عَلْقَمَةَ بنِ مرثدٍ عن سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، وَمِنْهُمْ مَنْ قالَ عن سُلَيْمَانُ بنُ بُرَيْدَةَ عن أَبِيهِ. وَحَدِيثُ أَبِي سِنَانٍ عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ حَسَنٌ. وَأَبُو سِنَانٍ اسْمُهُ ضِرَارُ بنُ مُرّةَ. وَأَبُو سِنَانَ الشّيْانِيّ اسْمُهُ سَعِيدُ بنُ سِنَانٍ وَهُوَ بَصْريّ. وَأَبُو سِنَانٍ الشّامِيّ اسْمُهُ عِيسَى بنُ سِنَانٍ هُوَ القَسْمَلِيّ.
2604- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاودَ، أَنْبَانَا شُعْبَةُ عن أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ سَمِعْتُ عَمْرَو بنُ مَيْمُونِ يُحَدّثُ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُنّا مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في قُبّةٍ نَحْواً مِنْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم، "أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنّةِ؟ قالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثُ أَهْلِ الْجَنّةِ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنّةَ؟ إِنّ الْجَنّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ مَا أَنْتُمْ في الشّرْكِ إِلاّ كَالشّعْرَةِ البَيْضَاءِ في جِلْدِ الثّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشّعْرَةِ السّوْداءِ في جِلْدِ الثّوْرِ الأَحْمَر".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفي البابِ عن عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ.
- قوله: (حدثنا حسين بن يزيد) بن يحيى الطحان الأنصاري الكوفي لين الحديث من العاشرة (عن ضرار بن مرة) الكوفي كنيته أبو سنان الشيبان الأكبر، ثقة ثبت من السادسة.
قوله: (أهل الجنة عشرون ومائة صف) أي قدرها أو صوروا صفوفاً (ثمانون) أي صفاً (منها) أي من جملة العدد (من هذه الأمة) أي كائنون من هذه الأمة (وأربعون) أي صفاً (عن سائر الأمم) والمقصود بيان تكثير هذه الأمة وأنهم ثلثان في القسمة. قال الطيبي: فإن قلت كيف التوفيق بين هذا وبين ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده أرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة" فكبرناد فقال صلى الله عليه وسلم أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا فقال صلى الله عليه وسلم: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، قلت: يحتمل أن يكون الثمانون صفاً مساوياً في العدد للأربعين صفاً وأن يكونوا كما زاد على الربع والثلث يزيد على النصف كرامة له صلى الله عليه وسلم. وقال الشيخ عبد الحق رحمه الله في اللمعات: لا ينافي هذا قوله صلى الله عليه وسلم: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة لأنه يحتمل أن يكون رجاؤه صلى الله عليه وسلم ذلك ثم زيد وبشر من عند الله بالزيادة بعد ذلك. وأما قول الطيبي: يحتمل أن يكون الثمانون صفاً مساوياً لأربعين صفاً فبعيد، لأن الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم أهل الجنة عشرون ومائة صف أن يكون الصفوف متساوية والله أعلم انتهى.
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي وابن حبان والحاكم والبيهقي في كتاب البعث والنشور.
قال الحافظ: وله شاهد من حديث ابن مسعود بنحوه واتم منه أخرجه الطبراني. قلت: وله شاهدان آخران من حديث ابن عباس ومن حديث أبي موسى أخرجهما الطبراني والحاكم كما في الجامع الصغير.
قوله: (مرسل) أي هذا مرسل (ومنهم) أي، من أصحاب علقمة بن مرتد (وأبو سنان اسمه ضرار بن مرة) تقدم ترجمته آنفاً (وأبو سنان الشيباني اسمه سعيد بن سنان) قال في التقريب: سعيد بن سنان البرجمي أبو سنان الشيباني الأصغر الكوفي نزيل الري، صدوق له أوهام من السادسة (وهو بصري) كذا قال الترمذي وفي التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة أنه كوفي فتأمل (وأبو سنان الشامي الخ) قال في التقريب: عيسى بن سنان الخنفي أبو سنان القسملي الفلسطيني نزيل البصرة لين الحديث من السادسة.
قوله: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة) وفي رواية اسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره بمنى إلى قبة من أدم (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة) قال ابن التين ذكره يلفظ الاستفهام لإرادة تقرير البشارة بذلك، وذكره بالتدريج ليكون أعظم لسرورهم (قالو نعم) وفي رواية لمسلم: فكبرنا في الموضعين. وفي حديث أبي سعيد عند البخاري فحمدنا الله وكبرنا (أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة) وفي رواية البخاري: قال والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، قال الحافظ: وزاد الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في نحو حديث أبي سعيد وإني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة بل أرجو أن تكونوا ثلثي أهل الجنة ولا تصح هذه الزيادة لأن الكلبي رواه ثم ذكر عدة روايات توافق رواية الكلبي ثم قال: فكأنه صلى الله عليه وسلم لما رجا رجمة ربه أن تكون أمته نصف أهل الجنة أعطاء ما ارتجاه مزاده، وهو نجو قوله تعالى: (ولسوف يقطيك ربك فترضي) انتهى (إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة) وفي رواية: وسأحدثكم بقلة المسلمين في الكفار يوم القيامة. وفي رواية: ما أنتم فيما سواكم من الأمم (ما أنتم في الشرك) وفي رواية البخاري في أهل الشرك (إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) قال القاري: الظاهر أن أو للتخير في التصبير وتحتمل الشك انتهى. قال ابن التين: أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعره واحدة من غير لونه انتهى.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
قوله: (وفي الباب عن عمران بن حصين وأبي سعيد الخدري) أما حديث عمران بن حصين فأخرجه الترمذي في تفسير سورة الحج، وأما حديث أبي سعيد الخدري فأخرجه الشيخان والنسائي.
...................
1603- باب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبوابِ الْجَنّة
2605- حَدّثنا الفْضَلُ بنُ الصّبّاحِ البَغْدَادِيّ، حدثنا مَعْنُ بن عِيسَى القَزّازُ عن خَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عن سَالِمِ بنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بَابُ أُمّتِي الّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنّةَ عَرْضُهُ مَسِريرَةُ الرّاكِبِ الجَواد ثَلاَثاً، ثُمّ إِنّهُمْ لَيُضْغَطُونَ عَلَيْهِ حَتّى تَكَادُ مَنَاكِبُهُمْ تَزُولُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ.
قال: سَأَلْتُ مُحمّداً عن هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفهُ، وَقالَ: لِخَالِدِ بنِ أَبِي بَكْرٍ مَنَاكِيرُ عَنْ سَالِم بنِ عَبْدِ الله.
- قوله: (عن خالد بن أبي بكر) بن عبيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، فيه لين من السابعة.
قوله: (عرضه مسيرة الراكب المجود) اسم فاعل من التجويد وهو التحسين قيل أي الراكب الذي يجود ركض الفرس من جودته أي جعلته جيداً وفي أساس البلاغة: يجوز في صنعته يفوق فيها وأجاد الشيء وجوده أحسن فيما فعل، وجود في عدوه عدا عدوا وجواداً، والمعنى الراكب الذي يجود ركض الفرس وأن يكون مستافاً إليه والإضافة لفظية أي الفرس الذي يجود في عدوه (ثلاثاً) ظرف مسيره. والمعنى ثلاث ليال أو سنين وهو الأظهر لأنه يفيد المبالغة أكثر ثم المراد به الكثرة لئلا يخالف ما ورد من أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة، على أنه يمكن أنه أوحى إليه بالقليل ثم أعلم بالكثير، أو يحمل على اختلاف الأبواب باختلاف أصحابها (ثم أنهم) أي أهل الجنة من أمتي عند دخولهم من أبوابها، فالمراد بالنار جنسه (ليضغطون) بصيغة المجهول أي ليعصرون ويضيقون ويزحمون (عليه) أي على الباب (حتى تكاد) أي تقرب (مناكبهم تزول) أي تنقطع من شدة الزحام.
قوله: (هذا حديث غريب) ذكر الذهبي هذا الحديث في الميزان في ترجمة خالد بن أبي بكر وقال هذا من مناكيره.
1604- باب ما جَاءَ في سُوقِ الْجَنة
2606- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، أَخْبَرنَا هِشَامُ بنُ عَمّارٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بنُ حَبِيبِ بنِ أَبي العِشْرِينَ، أَخْبَرنَا الأَوْزَاعِيّ، حدثنا حَسّانُ بنُ عَطِيّةَ عن سَعِيدِ بنِ المُسَيّبِ: "أَنّهُ لَقِيَ ابَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَسْأَلُ الله أَنْ يَجْمَعَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ في سُوقِ الْجَنّةِ، فَقَالَ سَعِيدٌ: افِيهَا سُوقٌ؟ قالَ: نَعَمْ، أَخْبَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنّ اهْلَ الْجَنّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ، ثُمّ يُؤْذَنُ في مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا فَيَزُورُونَ رَبّهُمْ وَيَبْرُزُ لَهُمْ عَرْشَهُ وَيَتَبَدّى لَهُمْ في رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنّةِ، فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ مِنْ نُورِ، وَمَنَابِرُ مِنْ لُؤْلُؤٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ يَاقُوتٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ، وَمنَابِرُ مِنْ فِضّةٍ وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ وَمَا فِيهِمْ مِنْ دَنِيٍ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ وَالكَافُورِ ومَا يُرَوْنَ أَنّ أَصْحَابَ الكَرَاسيّ بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِساً.
قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قلت: يَا رَسُولَ الله: وَهَلْ نَرَى رَبّنَا؟ قالَ: نَعَمْ، قال هَلْ تَتَمَارَوْنَ فِي رُؤيَةِ الشّمْسِ وَالقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قُلْنَا لاَ، قَالَ: كَذَلِكَ لاَ تَتَمَارَوْنَ في رُؤْيَةِ رَبّكُمْ، وَلاَ يَبْقَى في ذَلِكَ المَجْلِسِ رَجُلٌ إِلاّ حَاضَرَهُ الله مُحَاضَرَةً حَتّى يَقُولَ لِلْرّجُلِ مِنْهُمْ يَا فُلاَنَ بنَ فُلاَنٍ، أَتَذْكُرُ يَوْمَ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا فَيُذَكّرُهُ بِبَعْضِ غَدَرَاتِهِ في الدّنْيَا، فَيَقُولُ يَا رَبّ أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي؟ فَيَقُولُ بَلَى فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بَلَغْتَ مَنْزِلَتَكَ هَذَهِ، فَبَيْنَما هُمْ عَلَى ذَلِكَ غَشِيَتُهُمْ سَحَابَةٌ مِنْ فَوْقِهِمْ فَأَمْطَرَطتْ عَلَيْهِمْ طِيباً لَمْ يَجِدُوا مِثْلَ رِيحهِ شَيْئاً قَطّ، وَيَقُولُ رَبّنَا تبارك وتعالى قُومُوا إِلَى مَا أَعَدَدْتُ لَكُمْ مِنَ الكَرَامَةِ فَخُذُوا مَا اشْتَهَيْتُمْ فَنَأَتِي سُوقاً قَدْ حَفّتْ بِهِ المَلاَئِكَةُ فِيهِ مَالَمْ تَنْظُرْ العُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ وَلَمْ تَسْمَعْ الاَذَانُ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى الْقُلُوبِ، فَيُحْمَلَ إِلَيْنَا مَا اشْتَهَيْنَا لَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلاَ يُشْتَرَى وَفِي ذَلِكَ السّوقِ يَلْقَى أَهْلُ الْجَنّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضاً. قَالَ فَيُقْبِلُ الرّجُلُ ذُو المَنْزِلَةِ المرْتَفِعَةِ فَيَلْقَى مَنْ هُوَ دُونَهُ وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌ فَيَرُوعُهُ مَا يَرَى عَلَيْهِ مِنَ الّلبَاسِ فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ حَتّى يَتَخَيّلَ إليه مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَحْزَنَ فِيهَا، ثُمّ نَنْصَرِفُ إِلَى مَنَازِلِنَا فَيَتَلَقّانَا أَزْوَاجُنَا فَيَقُلْنَ مَرْحَباً وَأَهْلاً لَقَدْ جِئْتَ وَإِنّ بكَ مِنَ الْجِمَالِ أَفْضَلَ مِمّا فَارَقْتَنَا عَلَيْهِ، فَيَقُولُ: إِنّا جَالَسْنَا الْيَوْمَ رَبّنَا الْجَبّارَ، وَيَحِقّ لَنَا أَنْ نَنْقَلِبَ بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُه إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ. وَقد روى سويد بن عمروٍ عن الاوزاعي شيئاً من هذا الحديث.
2607- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ وَهَنّادٌ، قَالاَ: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ، عن النّعْمَانِ بنِ سَعْد، عن عَلِيٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ في الْجَنّةِ لَسُوقاً مَا فِيهَا شِراء وَلاَ بَيْع إِلاّ الصّوَرَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، فَإِذَا اشْتَهَى الرّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فيها".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ.
- قوله: (حدثنا محمد بن إسماعيل) هو الإمام البخاري (أخبرنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي الخطيب صدوق مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح من كبار العاشرة قاله في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته روى عن عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين وغيره، وروى عنه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وروى الترمذي عن البخاري عنه (أخبرنا عبد الحميد بن حبيب ابن أبي العشرين) الدمشقي أبو سعيد كاتب الأوزاعي ولم يرو عن غيره صدوق ربما أخطأ قال أبو حاتم: كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث من التاسعة.
قوله: (فقال سعيد أفيها) أي في الجنة (سوق) يعني وهي موضوعة للحاجة إلى التجارة (أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن) قال القاري: بالفتح في أصل السيد وغيره وفي نسخة يعني من المشكاة بالكسر على الحكاية أي الخبر هو قوله إن أو التقدير قائلا إن (أهل الجنة إذا دخلوها) أي الجنة "نزلوا فيها" أي في منازلها ودرجاتها "بفضل أعمالهم" أي بقدر زيادة طاعاتهم لهم كمية وكيفية (ثم يؤذن) أي لأهل الجنة "في مقدار يوم الجمعة" أي في مقدار الأسبوع. والظاهر أن المراد يوم الجمعة فإنه ورد الأحاديث في فضائل يوم الجمعة أنه يكون في الجنة يوم جمعة كما كان في الدنيا ويحضرون ربهم إلى آخر الحديث كذا في اللمعات وقال القاري: أي قدر إتياته والمراد في مقدار الأسبوع انتهى "فيزورون ربهم" أي "ويبرز" من الإبراز ويظهر ربهم (ويتبدى لهم) بتشديد الدال أي يظهر ويتجلى ربهم لهم "فتوضع لهم منابر" أي كراسي مرتفعة (ومنابر من زبرجد) بفتح زاي وموحدة فراء ساكنة فجيم مفتوحة جوهر معروف (ومنابر من ذهب ومنابر من فضة) أي بحسب مقادير أعمالهم ومراتب أحوالهم "ويجلس أدناهم" أي أدونهم منزلة (وما فيهم دنى) أي والحال أنه ليس في أهل الجنة دون وخسيس قال الطيبي رحمه الله: وهو تتميم صوناً لما يتوهم من قوله أدناهم الدناءة والمراد به الأدنى في المرتبة "على كثبان المسك" بضم الكاف وسكون المثلثة جمع كثيب أي تل من الرمل المستطيل من ثبت الشيء إذا جمعته "والكافور" بالجر عطف على "المسك ما يرون" بصيغة المجهول من الإرادة والضمير إلى الجالسين على الكثبان أي لا يظنون ولا يتوهمون "أن أصحاب الكراسي" أي أصحاب المنابر "بأفضل منهم مجلساً" حتى يحزنوا بذلك لقولهم على ما في التنزيل. الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، بل إنهم وافقون في مقام الرضا ومتلذذون مجال التسليم بما جرى القضاء "هل تتمارون" تفاعل من المرية بمعنى الشك أي هل تشكون "من رؤية الشمس" وفي بعض النسخ في رؤية الشمس أي في رؤيتكم الشمس "والقمر" أي وفي رؤية القمر (ليلة البدر) واحترز عن الهلال وعن القمر في غير ليالي البدر فإنه لم يكن حينئذ في نهاية النور "قلنا لا" أي لا نشك في رؤية الشمس والقمر "إلا حاضرة الله محاضرة" قال التوربشتي رحمه الله: الكلمتان بالحاء المهملة والضاد المعجمة والمراد من ذلك كشف الحجاب والمقاولة مع العبد من غير حجاب ولا ترجمان، وبينه الحديث: ما منكم من أحد إلا ويكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان الحديث. والمعنى خاطبه الله مخاطبة وحاوره محاورة "يا فلان" بالفتح والضم "بن فلانا" بنصب ابن وصرف فلان وهما كنايتان عن اسمه واسم أبيه. وروى أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء مرفوعاً: إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء اياتكم فأحسنوا أسمائكم "اتذكر يوم قلت كذا وكذا" أي مما لا يجوز في الشرع فكأنه يتوقف الرجل فيه ويتأمل فيما ارتكبه من معاصيه "فيذكره"بتشديد الكاف أي فيعلمه الله "بعض غدراته" بفتح الغين المعجمة والدال المهملة. جمع غدرة بالسكون بمعنى القدر وهو ترك الوفاء والمراد معاصيه لأنه لم يف بتركها الذي عهد الله إليه في الدنيا "أفلم تغفر لي" أي أدخلتني الجنة فلم تغفر إلى ما صدر لي من المعصية (فيقول بلى) أي غفرت لك فبسعة مغفرتي بفتح السين ويكسر (بلغت) أي وصلت "منزلتك هذه" قال الطيبي: عطف على مقدر أي غفرت لك فبلغت بسعة رحمتي هذه المنزلة الرفيعة والتقديم دل على التخصيص أي بلوغك تلك المنزلة كائن بسعة رحمتي لا يعملك (فبينما) وفي بعض النسخ فبينما وفي بعض النسخ فبينا (هم) أي على أهل الجنة (على ذلك) أي على ما ذكر من المحاضرة والمحاورة (غشيتهم) أي غطتهم (فأمطرت عليهم طيباً) أي عظيماً (قد خفت) بتشديد الفاء أي أحاطت "ما لم تنظر العيون إلي مثله" قال المظهر: ما موصولة والموصول مع صلته يحتمل أن يكون منصوباً بدلا من الضمير المنصوب المقدر العائد إلى ما في قوله ما أعددت، ويحتمل أن يكون في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي المعد لكم وقيل أو هو مبتدأ خبره محذوف أي فيها.
وقال الطيبي رحمه الله: الوجه أن يكون ما موصوفه بدلا من سوقاً انتهى وفي بعض النسخ فيه، مالم تنطر العيون إلى مثله وهو ظاهر (ولم تسمع الاَذان) بمد الهمزة جمع الأذن أي وما لم تسمعه بمثله (ولم يخطر) بضم الطاء أي وما لم يمر مثله على القلوب (فيحمل إلينا) أي إلى قصورنا (وليس يباع فيها ولا يشترى) الجملة حال من ما في اشتهينا وهو المحمول والضمير في يباع عائد إليه (وفي ذلك السوق) هو يذكر ويؤنث فأنثه تارة ذكره أخرى والتأنيث أكثر وأشهر (يلقى) أي يرى (قال) أي النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة مرفوعاً حقيقة أو موقوفاً في حكم المرفوع (فيقبل) من الإقبال أي فيجيء ويتوجه (من هو دونه) أي في الرتبة والمنزلة (فيروعه) بضم الراء (مايرى) أي يبصره (عليه من اللباس) بيان ما قال الطيبي: الضمير المجرور يحتمل أن يرجع إلى من فيكون الروع مجازاً عن الكراهة مما هو عليه من اللباس وأن يرجع إلى الرجل ذي المنزلة. فالروع بمعنى الإعجاب أي يعجبه حسنه فيدخل في روعه ما يتمنى مثل ذلك لنفسه، ويدل عليه قوله (فما ينقضي آخر حديثه) أي ما ألقى في روعه من الحديث وضمير المفعول فيه عائد إلى من (حتى يتخيل عليه) بصيغة الفاعل. وفي نسخة يعني من المشكاة بالبناء للمفعول أي حتى يتصور له (ما هو أحسن منه) أي يظهر عليه أن لباسه أحسن من لباس صاحبه وذلك أي سبب ما ذكر من التخيل (أنه) أي الشأن (أن يحزن) بفتح الزاي يغتم (فيها) أي في الجنة. فحزن هنا لازم من حزن بالكسر لا من باب بصر فإنه متعد غير ملائم المقام (فتتلقانا) من التلقي أي تستقبلنا (أزواجنا) أي من نساء الدنيا ومن الحور العين (ويحق لنا) قال القاري: بكسر الحاء وتشديد القاف وفي نسخة يعني من المشكاة بضم الحاء، ففي المصباح. حق الشيء كضرب ونصر إذا ثبت. وفي القاموس حق الشيء وجب ووقع بلا شك، وجقه أوجبه لازم ومتعد. فالمعنى يوجبنا ويلزمنا، ويمكن أن يكون من باب الحذف والإيصال أي يحق لنا ويليق بنا (أن تنقلب بمثل ما انقلبنا) أي من الانقلاب بمعنى الانصراف.
قوله: (هذا حديث غريب) قال المنذري في الترغيب بعد ذكر هذا الحديث: رواه الترمذي وابن ماجه كلاهما من رواية عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد. وقال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قال وعبد الحميد هو كاتب الأوزاعي مختلف فيه وبقية رواة الإسناد ثقات، وقد رواه ابن أبي الدنيا عن هقل بن زياد كاتب الأوزاعي أيضاً واسمه محمد، وقيل عبد الله وهو ثقة ثبت احتج به مسلم وغيره عن الأوزاعي قال: نبئت أن سعيد بن المسيب لقي أبا هريرة، فذكر الحديث انتهى.
- قوله: (حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق) أبو شبيه الكوفي (عن النعمان بن يعد) الأنصاري الكوفي. قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن علي وغيره وعنه ابن أخته أبو شيبة عبد الرحمن بن إسحاق الكوفي ولم يرو عنه غيره فيما قال أبو حاتم انتهى.
قوله: (إن في الجنة لسوقاً) أي مجتمعاً (ما فيها) أي ليس في تلك السوق (شري) بالكسر والقصر، أي اشتراء (ولا بيع) والمعنى ليس فيها تجارة (إلا الصور) بالنصب والرفع أي التماثيل المختلفة (فإذا اشتهى الرجل صورة دخل فيها) أي تشكل بها. قال القاري في المرقاة: قال الطيبي: الاستثناء منقطع ويجوز أن يكون متصلا بأن يجعل تبديل الهيئات من جنس البيع والشرى كقوله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا سنون إلا من أتى الله بقلب سليم} يعني على وجه وإلا فالمعتمد أن استثناء منقطع ثم قيل يحتمل الحديث معنيين: أحدهما أن يكون معناه عرض الصور المستحسنة عليه فإذا اشتهى وتمنى تلك الصورة المعروضة عليه صوره الله سبحانه بشكل تلك الصورة بقدرته، وثانيهما أن المراد من الصورة الزينة التي يتزين الشخص بها في تلك السوق ويتلبس بها ويختار لنفسه من الحلي والحلل والتاج، يقال لفلان صورة حسنة، أي هيئة مليحة، يعني فإذا رغب في شيء منها أعطيه، ويكون المراد من الدخول فيها التزين بها، وعلى كلا المعنيين التغير في الصفة لا في الذات. قال الطيبي: ويمكن أن يجمع بينهما ليوافق حديث أنس: فتهب ريح الشمال فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حسناً وجمالا، الحديث.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) في سنده عبد الرحمن بن إسحاق أبو شيبة وهو ضعيف. والحديث أخرجه أيضاً ابن أبي الدنيا.
1605- باب ما جَاءَ في رُؤْيَةِ الربّ تَبَارَكَ وَتَعالَى
من باب إضافة المصدر على مفعوله. قال ابن بطال: ذهب أهل السنة وجمهور الأمة إلى جواز رؤية الله في الْاخرة، ومنع الخوارج والمعتزلة وبعض المرجثة وتمسكوا بأن الرؤية توجب كون المرئي محدثاً وحالا في مكان، وأولوا قوله (ناظرة) يعني في قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة} بمنتظرة وهو خطأ لأنه لا يتعدى بإلى. ثم قال: وما تمسكوا به فاسد لقيام الأدلة على أن الله تعالى موجود والرؤية في تعلقها بالمرثى بمنزلة العلم في تعلقه بالمعلوم، فإن كان تعلق العلم بالمعلوم لا العلم بالمعلوم لا يوجب حدوثه وكذلك المرئي، قال: وتعلقوا بقوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} وبقوله تعالى لموسى "لن تراني" والجواب عن الأول أنه لا تدركه الأبصار في الدنيا جمعاً بين دليلي الاَيتين، وبأن نفي الإدراك لا يستلزم نفي الرؤية لإمكان رؤية الشيء من غير إحاطة بحقيقته، وعن الثاني المراد أن تراني في الدنيا جمعاً أيضاً ولأن نفي الشيء لا يقتضي إحالته مع ما جاء من الأحاديث الثابتة على وفق الْاية، وقد تلقاها المسلمون بالقبول من لدن الصحابة والتابعين حتى حدث من أنكر الرؤية وخالف السلف. وقال القرطبي: اشترط النفاة في الرؤية شروطاً عقلية تخبط بهم المخصوصة والمقابلة واتصال الأشعة وزوال الموانع كالبعد والحجب في تخيط بهم وتحكم، وأهل السنة لا يشترطون شيئاً من ذلك سوى وجود المرئى وأن الرؤية إدراك يخلقه الله تعالى للرائي فيرى المرئي وتقترن بها أحوال يجوز تبدلها والعلم عند الله تعالى
2608- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبي خَالِدٍ، عن قَيْسِ بنِ أَبي حَازِمٍ، عن جَرِير بنِ عَبْدِ الله البَجَلِيّ قالَ: كُنّا جُلُوساً عِنْدَ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "إِنّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبّكُمْ فَتَرَوْنَهُ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ، فَإِن اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِهَا فافْعَلُوا. ثمّ قَرَأَ{فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ}.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2609- حدّثنا محمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ مَهْدِيّ، أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلْمَةَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عَنْ عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عن صُهَيْبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قَوْلِهِ {لِلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قالَ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ، نَادَى مُنَادٍ إِنّ لَكُمْ عِنْدَ الله مَوْعِداً، قَالُوا أَلَمْ يُبَيّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجّينَا مِنَ النّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنّةَ؟ قَالُوا بَلَى، فَينكشفُ الْحِجَابُ، قالَ: فَوَالله مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئاً أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ النّطَرِ إِلَيْهِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ إِنّمَا أَسْنَدَهُ حَمّادُ بنُ سَلْمَةَ وَرَفَعَهُ. وَرَوَى سُلَيْمَانُ بنُ المْغِيرَةِ وحماد بن زيد هَذَا الحَدِيثَ عن ثَابِتٍ البُنَانِيّ عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ أَبِي لَيْلَى قَوْلَه.
2610- حَدّثنا عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، أخبرني شَبَابَةُ بنُ سَوّارٍ، عن إِسْرَائِيلَ عن ثَوَيْرٍ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِه وَأزواجهِ وَنَعِيِمِهِ وَخَدَمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ، وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى الله مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غُدْوَةً وَعَشِيّةً، ثمّ قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبّهَا نَاظِرَةٌ}.
قال أبو عيسى: وَقَدْ رُوِي هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن إِسْرَائِيلَ، عن ثُوَيْرٍ عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً. وَرَواهُ عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَبْجَرَ عن ثُوَيْرٍ، عن ابنِ عُمَرَ مَوْقُوفاً. وَرَوَاهُ عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِيّ عن سُفْيَانَ عن ثُوَيْرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عُمَرَ قَوْلَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
2611- حدّثنا بِذَلِكَ أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَدُ بنُ الْعَلاَءِ، أخبرنا عُبَيْدُ الله الأَشْجَعِيّ عن سُفْيَانَ عن ثُوَيْرٍ عن مُجَاهِدٍ عن ابنِ عُمَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ.
2612- حدّثنا مُحَمّدُ بنُ طَرِيفٍ الكُوفِيّ، حدثنا جَابِرُ بنُ نُوحٍ الحمَانِيّ عن الأَعْمَشُ عن أَبِي صَالِحِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "تُضَامُونَ في رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ؟ وتُضَامُونَ في رُؤْيَةِ الشّمْسِ؟ قَالُوا لاَ، قالَ: فَإِنَكُمْ سَتَرَوْنَ رَبّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا تُضَامُونَ في رُؤْيَتِهِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ. وَهَكذَا رَوَى يَحْيَى بنُ عِيسَى الرّمْلِيّ، وَغَيْرُ واحِدٍ عن الأَعمَشِ عن أَبِي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَرَوَى عَبْدُ الله بنُ إِدْرِيسَ عن الأَعْمَشِ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَحَدِيثُ ابنُ إِدْرِيسَ عن الأَعْمَشِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَحَدِيثُ أَبِي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أصَحّ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالحٍ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيحٌ أَيْضاً.
- قوله: (كنا جلوساً) أي جالسين (كما ترون هذا القمر) أي المحسوس المشاهد المرئي (لا تضامون) بضم التاء وتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم. قال الحافظ وهو الأكثر أي لا ينالكم ضيم وظلم في رؤيته فيراه بعض دون بعض، وروي بفتح التاء وتشديد الميم من التضام بمعنى التزاحم، وبالضم والتشديد من المضامة وهي المزاحمة، وهو حينئذ يحتمل كونه للفاعل والمفعول. وحاصل معنى الكل لا تشكون (في رؤيته) أي في رؤية القمر ليلة البدر. قال في جامع الأصول: قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله كما ترون كما في التشبيه للمرئي وإنما هو كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي. ومعناه ترون ربكم رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون ولا تمترون (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بصيغة المجهول أي لا تصيروا مغلوبين (فافعلوا) أي ما ذكر من الاستطاعة أو عدم المغلوبية. قال القاضي: ترتيب قوله إن استطعتم على قوله سترون بالفاء يدل على أن المواظب على إقامة الصلوات والمحافظة عليها خليق بأن يرى ربه، وقوله لا تغلبوا معناه لا تصيروا مغلوبين بالاشتغال عن صلاتي الصبح والعصر، وإنما خصهما بالحث لما في الصبح من ميل النفس إلى الاستراحة والنوم، وفي العصر من قيام الأسواق واشتغال الناس بالممعاملات، فمن لم يلحقه فترة في الصلاتين مع ما لهما من قوة المانع فبالحري أن لا بلحقه في غيرهما (ثم قرأ) أي النبي صلى الله عليه وسلم أو جرير (فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس الخ) أي وصل في هذين الوقتين، وغير عن الكل بالجزء وهو التسبيح المراد به الثناء في الافتتاح المقرون بحمد الرب المشتمل عليه سورة الفاتحة، أو المراد بالتسبيح تنزيه الرب عن الشريك ونحوه من صفات النقصان والزوال.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
- قوله: (للذين أحسنوا) أي الذين أجادوا الأعمال الصالحة في الدنيا وقربوها بالإخلاص (الحسنى) أي المثوبة الحسنى وهي الجنة (وزيادة) أي النظر لوجهه الكريم، ونكرها لتفيد ضرباً من التفخيم والتعظيم بحيث لا يعرف قدرها ولا يكتنه كنهها (نادى مناد إن لكم عند الله موعداً) أي بقي شيء زائد مما وعده الله لكم من النعم، وفي رواية مسلم يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئاً أزيدكم (وينجنا) بتشديد الجيم ويخفف (من النار) أي دخولها وخلودها. قال الطيبي: تقرير وتعجيب من أنه كيف يمكن الزيادة على ما أعطاهم الله تعالى من سعة فضله وكرمه (قالوا بلى) كذا في النسخ الموجودة قالوا بصيغة الجمع والظاهر أن يكون قال بصيغة الإفراد لأن الضمير يرجع إلى مناد (فيكشف الحجاب) وزاد مسلم: فينظرون إلى وجه الله، والظاهر أن المراد بالحجاب حجاب النور الذي وقع في حديث أبي موسى عند مسلم ولفظه: حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه قال الطيبي في شرح حديث أبي موسى هذا: إن فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحجب المعهودة فهو محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلا له وأشعة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تدهش دونه العقول وتبهت الأبصار وتتحير البصائر فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل. وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئي والمراد به هنا منع الأبصار من الرؤية له بما ذكر فقام ذلك المنع الستر الحائل فعبر به عنه، وقد ظهر من نصوص الكتاب والسنة أن الحالة المشار إليها في هذا الحديث هي في دار الدنيا المعدة للفناء دون دار الاَخرة المعدة للبقاء. والحجاب في هذا الحديث وغيره يرجع إلى الخلق لأنهم هم المحجوبون عنه. وحديث صهيب هذا أخرجه أيضاً مسلم والنسائي وابن خزيمة وابن حبان.
قوله: (هذا حديث إنما أسنده حماد بن سلمة ورفعه الخ) قال النووي: هذا الحديث هكذا رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن أبي ليلى عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبو عيسى الترمذي وأبو مسعود الدمشقي غيرهما: لم يروه هكذا مرفوعاً عن ثابت غير حماد بن سلمة ورواه سليمان بن المغيرة وحماد بن زيد وحماد بن واقد عن ثابت عن ابن أبي ليلى من قوله ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا ذكر صهيب، وهذا الذي قال هؤلاء ليس بقادح في صحة الحديث فقد قدمنا في الفصول أن المذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا وبعضهم مرفوعاً وبعضهم موقوفاً حكم بالمتصل وبالمرفوع لأنهما زيادة ثقة، وهي مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف، انتهى كلام النووي.
قوله: (عن ثوير) بضم المثلثة مصغراً، ابن أبي فاختة، سعيد بن علاقة الكوفي، ضعيف رمي بالرفض من الرابعة.
قوله: (لمن ينظر إلى جنابه) بكسر الجيم جمع جنة أي بساتينه (وزوجاته) أي نسائه وحوره (ونعيمه) أي ما يتنعم به (وخدمه) بفتحتين جمع خادم أي من الولدان (وسرره) بضمتين جمع سرير (مسيرة ألف سنة) أي حال كون جنانه وما عطف عليه كائنة في مسافة ألف سنة. والمعنى أن ملكه مقدار تلك المسافة، وفي التركيب تقديم وتأخير إذ جعل الاسم وهو قوله لمن ينظر خبراً والخبر وهو أدنى منزلة اسماً اعتناء بشأن المقدم لأن المطلوب بيان ثواب أهل الجنة وسعتها وأن أدناهم منزلة من يكون ملكه كذا (وأكرمهم) بالنصب عطفاً على أدنى ويجوز الرفع عطفاً على مجموع اسم إن، وخبرها أي أكثرهم كرامة على الله وأعلاهم منزلة وأقربهم رتبة عنده سبحانه (غدوة) بضم الغين (وعشية) أي صباحاً ومساء، ولهذا وصى بالمحافظة على صلاتي طرفي النهار كما مر (وجوه يومئذ ناضرة) أي ناعمة غضة حسنة، والمراد بالوجوه الذوات وخصت لشرفها ولظهور أثر النعمة عليها (إلى ربها ناظرة) قال الطيبي: قدم صلة ناظرة إما لرعاية الفاصلة وهي ناضرة باسرة فاقرة وإما لأن الناظر يستغرق عند رفع الحجاب بحيث لا يلتفت إلى ما سواء وحديث ابن عمر هذا أخرجه أيضاً أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر الدارقطني والحاكم وابن مردويه والبيهقي. وأخرج الترمذي هذا الحديث في تفسير سورة القيامة أيضاً.
قوله: (ورواه عبد الملك) بن سعيد بن حبان (بن أبحر) بالموحدة والجيم الكوفي، ثقة عابد من السابعة (ورواه عبيد الله) بن عبيد الرحمن الأشجعي أبو عبد الرحمن الكوفي ثقة مأمون أثبت الناس كتاباً في الثوري من كبار التاسعة.
- قوله: (حدثنا محمد بن طريف) بن خليفة البجلي أبو جعفر الكوفي، من صغار العاشرة صدوق (حدثنا جابر بن نوح) الحماني أبو بشر الكوفي ضعيف من التاسعة.
قوله: (تضامون) بتقدير همزة الاستفهام، وقد تقدم ضبطه ومعناه في شرح أول أحاديث الباب.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان عن أبي هريرة مطولا من وجه آخر.
قوله: (وهكذا روى يحيى بن عيسى الرملي) التميمي النهشلي الفافوري الجوار الكوفي صدوق يخطئ ورمي بالتشيع من التاسعة (وقد روى عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه) وفي بعض النسخ من غير هذا الوجه وهو الظاهر يعني من غير طريق عبد الله بن إدريس عن الأعمش (وهو حديث صحيح أيضاً) أخرجه الشيخان من طريق عطاء بن يسار عن أبي سعيد مطولا.
1606- باب
2613- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ عن عَطَاءِ بن يَسَارٍ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ الله يَقُولُ لأِهْلِ الْجَنّةِ يَا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبّيْكَ رَبّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيْتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَالَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَالَمْ تُعْطِ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوَ: وَأَيّ شَيْءْ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: أُحِلّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَداً".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- قوله: (فيقولون لبيك ربنا) أي يا ربنا وتقدم تفسير لبيك وسعديك في باب التلبية من أبواب الحج (فيقول هل رضيتم) أي عن ربكم (فيقولون ما لنا لا نرضى) الاستفهام للتقرير. والمعنى أي شيء مانع لنا من أن لا نرضى عنك (وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك) الجملة حالية (أنا أعطيكم) وفي رواية للبخاري: فأنا أعطيكم وفي أخرى له: ألا أعطيكم (أفضل من ذلك) أي من عطائكم هذا (وأي شيء أفضل من ذلك) أي من عطائك هذا (أحل) بضم الهمزة وكسر الحاء المهملة أي أنزل (رضواني) بكسر الراء ويضم أي دوام رضواني فإنه لا يلزم من كثرة العطاء دوام الرضا ولذا قال (فلا أسخط) بفتح الخاء المعجمة أي لا أغضب قال الطيبي: الحديث مأخوذ من قوله تعالى: {وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر} وقال الحافظ: فيه تلميح بقوله تعالى: {ورضوان من الله أكبر} لأن رضاء سبب كل فوز وسعادة وكل من علم أن سيده راض عنه وكان أقر لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التعظيم والتكريم. وفي هذا الحديث أن النعيم الذي حصل لأهل الجنة لا مزيد عليه انتهى.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والشيخان.
1607- باب ما جاءَ في تَرَائي أَهْلِ الجَنّةِ في الْغُرَف
2614- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبدُ الله بن المُبَارَكِ، أخبرنا فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمانَ عن هِلاَلِ بنِ عَلِيٍ عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ أَهْلَ الْجَنَةِ لَيَتَرَاءَوْنَ في الغُرْفَةِ كَمَا تَتَراءَوْنَ الْكَوْكَبَ الشّرْقِيّ أَوْ الْكَوْكَبَ الْغَرْبِيّ الْغَارِبَ في الأُفْقِ أَوْ الطّالِعَ في تَفَاضُلِ الدّرَجَاتِ، فقالوا: يا رسولَ الله، أُولَئِكَ النّبِيّونَ؟ قال: بَلَى وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَأَقْوَامٌ آمَنُوا بِالله وَرَسُولِهِ وَصَدّقُوا المُرْسَلِينَ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- قوله: (عن هلال بن علي) بن أسامة العامري المدني وينسب إلى جده ثقة من الخامسة.
قوله: (إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة) كذا في حديث أبي هريرة هذا، والمعنى أن أهل الجنة يتراءون أهل الغرفة. وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، والغرفة بضم الغين وسكون الراء وهي بيت يبنى فوق الدار، والمراد هنا القصور العالية في الجنة. والمعنى أن أهل الجنة تتفاوت منازلهم بحسب درجاتهم في الفضل حتى أن أهل الدرجات العلى ليراهم من هو أسفل منهم كالنجوم وقد بين ذلك في الحديث بقوله في تفاضل الدرجات (كما يتراءون) أي في الدنيا (الغارب في الأفق) بضمتين جمع الاَفاق أي في أطراف السماء (في تفاضل الدرجات) وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين لتفاضل ما بينهم. قال القاري علة للترائي. والمعنى إنما ذلك لتزايد مراتب ما بين سائر أهل الجنة العالية، وما بين أرباب أهل الغرف العالية انتهى (فقالوا يا رسول الله أولئك النبيون) بحذف حرف الاستفهام أي أهم يعني أهل الغرف النبيون وتلك الغرف منازلهم (قال بلى) أي نعم (وأقرام) أي غير النبين (آمنوا بالله ورسوله وصدقوا المرسلين) أي حق تصديقهم وإلا لكان كل من آمن بالله وصدق رسله وصل إلى تلك الدرة وليس كذلك. ويحتمل أن يكون التنكير في قوله وأقوام يشير إلى ناس مخصوصين موصوفين بالصفة المذكورة، ولا يلزم أن يكون كل من وصف بها كذلك لاحتمال أن يكون لمن بلغ تلك المنازل صفة أخرى، وكأنه سكت عن الصفة التي اقتضت لهم ذلك، والسر في ذلك أنه قد يبلغها من له عمل مخصوص ومن لا عمل له، كأن بلوغها إنما هو يرحمه الله تعالى.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه أحمد كما في الفتح.
1608- باب ما جاءَ في خُلُودِ أَهلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّار
2615- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عبدُ العَزِيزِ بنُ محمدٍ، عن الْعَلاَءِ بنِ عبدِ الرّحمنِ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "يَجْمَعُ الله النّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثمّ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ: أَلاَ يَتْبَعُ كلّ إِنْسَانٍ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَه، فَيُمَثّلُ لِصَاحِبِ الصّلِيبِ صَلِيبُهُ، وَلِصَاحِبِ التّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ، وَلِصَاحِب النّارِ نَارُهُ، فَيَتبَعُونَ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، وَيَبْقَى المُسْلِمُونَ فَيَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ: أَلاَ تَتْبَعُونَ النّاسَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِالله مِنْكَ، نَعُوذُ بالله مِنْكَ، الله رَبُنَا، وَهَذَا مَكَانُنَا حَتّى نَرَى رَبّنَا، وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيُثَبّتُهُمْ، قالُوا: وَهَلْ نَرَاهُ يا رسولَ الله؟ قال: وَهَلْ تُضَارّونَ في رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ؟ قالُوا: لا يَا رسولَ الله، قال: فَإِنّكُمْ لا تُضَارّونَ في رُؤيَتِهِ تِلْكَ السّاعَةَ، ثمّ يَتَوَارى ثمّ يَطْلُعُ فَيُعَرّفُهُمْ نَفْسَهُ ثمّ يقولُ: أَنَا رَبّكُمْ فَاتّبِعُونِي، فَيَقُومُ المُسْلِمُونَ وَيُوضَعُ الصّرَاطُ فَيَمُرّ عَلَيْهِ مِثْلُ جِيَادِ الْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَقَوْلِهِمْ عَلَيْهِ سَلّمْ سَلّمْ، وَيَبْقَى أَهْلُ النّارِ فَيُطْرَحُ مِنْهُمْ فِيهَا فَوْجٌ، فَيُقَالُ: هَلُ امْتَلأَتِ، فَتَقُولُ {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} ثُمّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ فَيُقَالُ: هَلِ امْتَلأَتِ، فَتَقُولُ: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} حَتّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا وَضَعَ الرّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا، وَأُزْوِيَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، ثمّ قالَ: قَطٍ، قالت: قَطٍ قَطٍ، فَإِذَا أَدْخَلَ الله تَعَالَى أَهْلَ الْجَنّةِ الْجَنّة وَأَهْلَ النّار النّار قال: أُتِيَ بِالمَوْتِ مُلَبّبَاً فَيُوقَفُ عَلَى السّورِ الّذِي بَيْنَ أَهْلِ الْجَنّةِ وَأَهْلِ النّارِ، ثمّ يُقَالُ: يا أَهْلَ الْجَنّةِ، فَيَطْلُعُونَ خَائِفِينَ، ثم يُقَالُ: يا أَهْلَ النّارِ، فَيَطْلُعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ يَرْجُونَ الشّفَاعَة، فَيُقَالُ لأَهْلِ الْجَنّةِ وَلأَهْلِ النّارِ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ هَؤْلاءِ وَهَؤْلاءِ: قَدْ عَرَفْنَاهُ هُوَ المَوْتُ الّذِي وُكّلَ بِنَا، فَيُضْجَعُ فَيُذْبَحُ ذَبْحَاً عَلَى السّورِ الذي بين الجنة والنار، ثمّ يُقَالُ: يا أَهْلَ الْجَنّةِ خُلُودٌ لا مَوْتَ، ويا أَهْلَ النّارِ خُلُودٌ لا مَوْتَ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2616- حدّثنا سُفْيَانُ بنُ وَكِيعٍ، حدثنا أَبِي عن فُضَيْلِ بنِ مَرْزُقٍ عن عَطِيّةَ عن أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ قال: "إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أُتِيَ بِالمَوْتِ كَالكَبْشِ الأَملَحِ فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنّةِ وَالنّارِ فَيُذْبَحُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ، فَلَوْ أَنّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ الْجَنّةِ، وَلَوْ أَنّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ النّارِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وقد رُوِيَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم رِوَايَاتٌ كَثِيِرةٌ مِثْلُ هَذَا مَا يَذْكُرُ فِيهِ أَمْرَ الرّؤْيَةِ أَنّ النّاسَ يَرَوْنَ رَبّهُمْ وَذِكْرُ الْقَدَمِ وَمَا أَشْبَه هَذِهِ الأَشْيَاءَ. وَالمَذْهَبُ في هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الائِمَةِ مِثْلِ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ وَمَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ وَابنِ المُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنّهُمْ رَوَوْا هَذِهِ الاشْيَاءَ ثم قَالُوا: تُرْوَى هَذِهِ الاحَادِيثُ وَنُؤْمِنُ بِهَا ولا يُقَالُ كَيْفَ؟، وهذا الّذِي اخْتَارَهُ اهلُ الحديثِ ان تُروَى هذِه الاشْياءَ كَمَا جاءَتْ وَيُؤمَنُ بِهَا ولا تُفَسّرُ ولا تتوهم ولا يَقَالُ كَيْفَ، وَهَذا امْرُ اهلِ العِلْمِ الذي اخْتَارُوهُ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ في الحديثِ: فُيُعَرّفُهُمْ نَفْسَهُ يَعْنِي يَتَجَلّى لَهُمْ.
- قوله: (في صعيد واحد) الصعيد الأرض الواسعة المستوية (ثم يطلع عليهم رب العالمين) قال في القاموس: طلع فلان علينا كمنع ونصر أتانا كاطلع انتهى (فيمثل لصاحب الصليب صلبيه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره) قال ابن العربي: يحتمل أن يكون التمثيل تلبيساً عليهم، ويحتمل أن يكون التمثيل لمن لا يستحق التعذيب. وأما من سواهم فيحضرون حقيقة لقوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم}، (نعوذ بالله منك) وعند الشيخين وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك. قال ابن العربي: إنما استعاذوا منه أولا لأنهم اعتقدوا أن ذلك الكلام استدراج، لأن الله لا يأمر بالفحشاء، ومن الفحشاء اتباع الباطل وأهله، ولهذا وقع في الصحيح فيأتيهم الله في صور: أي بصورة لا يعرفونها وهي الأمر باتباع أهل الباطل فلذلك يقولون "إذا جاء ربنا عرفناه أي إذا جاءنا بما عهدناه منه من قول الحق (ثم يتوارى) أي يستتر (وهل تضارون) قال النووي: روى تضارون بتشديد الراء وتخفيفها والتاء مضمومة فيهما ومعنى المشدد هل تضارون غيركم في حالة الرؤية بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائة كما تفعلون أول ليلة من الشهر، ومعنى المخفف هل يلحقكم في رؤيته ضير وهو الضرر. وقال الحافظ: بضم أوله بالضاد المعجمة وتشديد الراء بصيغة المفاعلة الضرر وأصله تضاررون بكسر الراء وبفتحها أي لا تضرون أحداً ولا يضركم بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة وجاء تخفيف الراء من الضير وهو لغة في الضر، أي لا يخالف بعض بعضاً فيكذبه وينازعه فيضيره بذلك يقال ضاره يضيره (ثم يطلع فيعرمهم نفسه) أي يلقي في قلوبهم علماً قطعياً يعرفون به أنه ربهم سبحانه وتعالى (أنا ربكم فاتبعوني) وعند الشيخين أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فيتبعونه. قال النووي: معناه يتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم إلى الجنة (ويوضع الصراط) وعند مسلم ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم (فيمر عليه) أي فيمر المسلمون على الصراط (مثل جياد الخيل).
قال في القاموس: فرس جواد بين الجودة بالضم رائع والجمع جياد وقد، جاد في عدوه جودة انتهى، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف (والركاب) بكسر الراء عطف على الخيل، والمراد بها الإبل ولا واحد له من لفظه (وقولهم) أي قول المرسل والأنبياء (عليه) أي على الصراط (سلم سلم) أمر مخاطب أي يقول كل نبي اللهم سلم أمتي من ضرر الصراط اللهم اجعلهم سالمين من آفاته آمنين من مخافاته وتكراره مرتين المراد به الكثرة أو باعتبار كل واحد من أهل الشفاعة أو للإلحاح في الدعاء كما هو من آدابه. وفي رواية البخاري: ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم.
قال الحافظ في رواية شعيب: ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وفي رواية إبراهيم بن سعد: ولا يكلمه إلا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. ووقع في رواية العلا وقولهم اللهم سلم سلم، وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمنين على الصراط رب سلم سلم، والضمير في الأول للرسل، ولا يلزم من كون هذا الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به، بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة، فسمى ذلك شعاراً لهم، فهذا تجتمع الأخبار، ويؤيده قوله في رواية سهيل: فعند ذلك حلت الشفاعة اللهم سلم سلم انتهى (ثم يطرح فيها فوج) أي من أهل النار (فتقول هل من مزيد) أي من زيادة (حتى إذا أوعبوا فيها) من الإيعاب، وهو الاستقصاء في كل شيء (وضع الرحمن قدمه فيها).
وفي رواية لمسلم رجله. قال القاري مذهب السلف التسليم والتفويض مع التنزيه وأرباب التأويل من الخلف، يقولون المراد بالقدم قدم بعض مخلوقاته فيعود الضمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم أو قوم قدمهم الله للنار من أهلها، وتقدم في سابق حكمه أنهم لاحقوها فتمتلئ منهم جهنم، والعرب تقول كل شيء قدمته من خير أو شر فهو قدم، ومنه قوله تعالى: {أن لهم قدم صدق عند ربهم} أي ما قدموه من الأعمال الصالحة: الدالة على صدقهم في تصديقهم، والمراد بالرجل الجماعة من الجراد وهو وإن كان موضوعاً لجماعة كثيرة من الجراد لكن استعارته لجماعة الناس غير بعيد. أو أخطأ الراوي في نقله الحديث بالمعنى، وظن أن الرجل سد مسد القدم، هذا: وقد قبل وضع القدم على الشيء مثل للردع والقمع، فكأنه قال يأتيها أمر الله فيكفها من طلب المزيد، وقيل أريد به تسكين فورتها كما يقال للأمر يراد إبطاله وضعته تحت قدمي ذكره في النهاية. وفي شرح السنة: القدم والرجل المذكوران في هذا الحديث من صفات الله المنزهة عن التكييف والتشبيه، وكذلك كل ما جاء من هذا القبيل في الكتاب أو السنة، كاليد والأصبع والعين والمجيء والإتيان والنزول. فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيهخا واجب. فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم، والخائض فيها زائغ والمنكر معطل والمكيف مشبه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير انتهى.
قال القاري: وهو الموافق لمذهب الإمام مالك رحمه الله ولطريق إمامنا الأعظم على ما أشار إليه في الفقه الأكبر، فالتسليم أسلم والله تعالى أعلم انتهى.
قلت: الأمر كما قال القاري، فلا شك أن التسليم والتفويض هو الأسلم بل هو المتعين (وأزوى بعضها إلى بعض) بصيغة المجهول، وفي رواية يزوي أي يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها (قالت) أي النار (قط قط) قال النووي: معنى قط حسبي أي بكفينين هذا وفيه ثلاث لغات قط قط بإسكان الطاء فيهما وبكسرها منونة وغير منونة انتهى والتكرار للتأكيد (أتى بالموت) أي أحضر به كهيئة كبش أملح كما في حديث أبي سعيد الاَتي (ملبياً) في القاموس لببه تلبيباً جمع ثيابه عند نحره في الخصومة ثم جره (فيطلعون خائفين) أي أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه (فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة) أي يرجون أن يشفع لهم فيخرجوا من النار. وفي رواية ابن ماجة: مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه (يا أهل الجنة خلود) أي هذا الحال مستمر ويحتمل أن يكون جمع خالد أي أنتم خالدين في الجنة (لا موت) بفتح التاء المثناة أي لا موت في الجنة.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه مختصراً.
- قوله: (كالكبش الأملح) قال القرطبي: الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء به كما فدى ولد إبراهيم بالكبش، وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار. لأن الأملح ما فيه بياض وسواد. وقال ابن العربي: استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل، لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسماً، فكيف يذبح، فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث، ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولى الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم. وقال المازري: الموت عندنا عرض من الأعراض، وعند المعتزلة ليس بمعنى بل معناه عدم الحياة وهذا خطأ لقوله تعالى: {خلق الموت والحياة} فأثبت الموت مخلوقاً وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشاً ولا جسماً وأن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال: وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الاَخرة. وقال القرطبي في التذكرة: الموت معنى، والمعاني لا تنقلب جوهراً، وإنما يخلق الله أشخاصاً من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشاً يسميه الموت ويلقى في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلاً على الخلود في الدارين. وقال غيره: لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجساداً يجعلها مادة لها كما ثبت في مسلم، في حديث أن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث انتهى.
قلت: هذا القول الأخير هو المعتمد.
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه الشيخان والنسائي.
قوله: (وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه) وهو الحق والثواب، وهو مذهب السلف رضي الله عنهم أجمعين، وهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب: فضل الصدقة من أبواب الزكاة.
1609- باب ما جَاءَ حُفّتِ الْجَنّةُ بالْمَكارِهِ وَحُفتِ النّارُ بالشّهَوَات
2617- حَدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحمنِ، أخبرنا عَمْرُو بنُ عَاصِمٍ أخبرنا حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ عن حُمَيْدٍ وَ ثَابِتٍ عن أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "حُفّتِ الْجَنّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفّتِ النّارُ بِالشهوَاتِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ مِنْ هذا الوَجْهِ صحيحٌ.
2618- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمانَ عن مُحّمدِ بنِ عَمْرٍو، حدثنَا أَبُو سَلَمَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَمّا خَلَقَ الله الْجَنّةَ وَالنّارَ أَرْسَلَ جِبْرَيلَ إِلَى الجَنّةِ، فَقَالَ انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قَالَ فَجَاءَهَا وَنَظَرَ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعَدّ الله لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهِ، قالَ فَوَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالمَكَارِهِ، فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا، قالَ فَرَجَعَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفّتْ بِالمَكَارِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ. فَقَالَ وَعِزّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قالَ اذْهَبْ إِلَى النّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأِهْلِهَا فِيهَا، فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، فَرَجَعَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: وَعِزّتِكَ لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفّتْ بِالشّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجَعْ إِلَيْهَا فَرَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: وَعِزّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنّ لاَ يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاّ دَخَلَهَا".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- قوله: (حفت) بصيغة المجهول من الحفاف، وهو ما يحيط بالشيء حتى لا يتوصل إليه إلا بتخطيه أي أحيطت، ووقع في صحيح البخاري حجبت (بالمكاره) أي بما أمر المكلف بمجاهدة نفسه فيه فعلاً وتركا، وأطلق عليها المكاره لمشقتها على العامل وصعوبتها عليه (وحفت النار بالشهوات) أي ما يستلذ من أمور الدنيا مما منع الشرع من تعاطيه إما بالأصالة وإما لكون فعله يستلزم ترك شيء من المأمورات. قال النووي في شرح مسلم: قال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التي أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن ومعناه لا يوصل إلى الجنة إلا بار تكاب المشقات المعبر عنها بالمكروهات ولا إلى النار إلا بتعاطي الشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما، فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات. فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والإحسان إلى المسيء والصبر على الشهوات ونحو ذلك. وأما الشهوات التي النار محفوفة بها، فالظاهر أنها الشهوات المحرمة كالخمر والزنا والنظر إلى الأجنبية والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك. وأما للشهوات المباحة فلا تدخل في هذه، لكن يكره الاكثار منها مخافة أن يجر إلى المحرمة أو يقسى القلب أو يشغل عن الطاعات ونحو ذلك انتهى.
قوله: (هذا حديث حسن غريب صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وأخرجه الشيخان عن أبي هريرة.
- قوله: (انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها) أي ما هيأت فيها لعبادي الصالحين (قال) أي جبرئيل (فوعزتك) الواو للقسم (لا يسمع بها أحد إلا دخلها) أي طمع في دخولها، وجاهد في حصولها، ولا يهتم إلا بشأنها لحسنها وبهجتها (فحفت) أي أحيطت (بالمكاره) جمع كره وهو المشقة والشدة على غير قياس، والمراد بها التكاليف الشرعية التي هي مكروهة على النفوس الإنسانية، وهذا يدل على أن المعاني لها صور حسية في تلك المباني (فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها) أي ثانياً لما تجدد من الزيادة عليها باعتبار حواليها (لقد خفت أن لا يدخلها أحد) أي لوجود المكاره من التكاليف الشاقة، ومخالفة النفس وكسر الشهوات (لا يسمع بها أحد فيدخلها) أي لا يسمع بها أحد إلا فزع منها واحترز فلا يدخلها (لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها) وفي رواية أبي داود لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها، ومعناها ظاهر. وأما رواية الكتاب فلا يظهر معناها إلا أن يجعل إلا بمعنى بل.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم كذا في الفتح.
1610- باب ما جاءَ في احْتِجاجِ الجَنّةِ وَالنّار
2619- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ عن مُحّمدِ بنِ عَمْرِو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "احْتَجّتِ الجَنّةُ وَالنَارُ فَقَالَتِ الجَنّةُ: يَدْخُلُنِي الضّعَفَاءُ وَالمَسَاكِينُ، وَقَالَتَ النّارُ: يَدْخُلُنِي الجَبّارُونَ وَالمُتَكَبّرُونَ، فَقَالَ لِلنّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أَنْتَقِمُ بِكِ مِمّنْ شِئْتُ، وَقَالَ لِلْجَنّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ شِئْتُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- قوله: (احتجت) أي اختصمت كما في رواية للبخاري. وفي رواية أخرى له ولمسلم تحاجت (يدخلني الضعفاء والمساكين) قيل معنى الضعيف ههنا الخاضع لله تعالى بذل نفسه له سبحانه وتعالى ضد المتجبر والمتكبر، وفي رواية للبخاري: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم.
قال الحافظ: أي المحتقرون بينهم الساقطون من أعينهم، هذا بالنسبة إلى ما عند الأكثر من الناس، وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدرجات لكنهم بالنسبة إلى عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التواضع لله والذلة في عباده، فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح، أو المراد بالحصر في قول الجنة إلا ضعفاء الناس الأغلب (يدخلني الجبارون والمتكبرون) وفي رواية للشيخين أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. قال القاري: هما بمعنى جمع بينهما للتأكيد، وقيل للتكبر للتعظم بما ليس فيه، والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه، وقيل الذي لا يكترث ولا يبالي بأمر الضعفاء والمساكين (أنت عذابي) أي سبب عقوبتي ومنشأ سخطي وغضبي (أنتقم بك ممن شئت) وفي رواية للشيخين: أعذب بك من أشاء (وقال للجنة أنت رحمتي) أي مظهرها، في شرح السنة سمي الجنة رحمته لأن بها تظهر رحمة الله تعالى كما قال (أرحم بك من شئت) وإلا فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفاً، ليست لله صفة حادثة، ولا اسم حادث فهو قديم بجميع أسمائه وصفاته جل جلاله وتقدست أسماؤه. قال ابن بطال عن المهلب يجوز أن يكون هذا الخصام حقيقة بأن يخلق الله فيهما حياة وفهماً وكلاماً والله قادر على كل شيء، ويجوز أن يكون هذا مجازاً كقولهم امتلأ الحوض وقال الدارقطني: والحوض لا يتكلم وإنما ذلك عبارة عن امتلائه وأنه لو كان ممن ينطق لقال ذلك، وكذا في قول النار (هل من مزيد) قال: وحاصل اختصامهما افتخار أحدهما على الأخرى بمن يسكنها فتظن النار أنها بمن ألقى فيها من عظماء الدنيا أبر عند الله من الجنة، وتظن الجنة أنها بمن أسكنها من أولياء الله تعالى أبر عند الله فأجيبتا بأنه لا فضل لإحداهما على الأخرى من طريق من يسكنهما، وفي كليهما شائبة شكاية إلى ربهما إذ لم تذكر كل واحدة منهما إلا ما اختصت به، وقد رد الله الأمر في ذلك إلى مشيئته وقال النووي: هذا الحديث على ظاهره، وأن الله يخلق في الجنة والنار تمييزاً يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج، ولا يلزم من هذا أن يكون ذلك التمييز دائماً انتهى.
قلت: حمل الحديث على ظاهره هو المتعين ولا حاجة إلى حمله على المجاز.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
1611- باب ما جاءَ مَا لأَدْنَى أَهْلِ الْجَنّةِ مِن الكَرَامَة
2620- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ أخبرنا رِشْدِينُ بنُ سَعْدِ حدثني عَمْرُو بنُ الْحَارِثِ عن دَرّاجٍ عن أَبِي الهَيْثَمِ عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَدْنَى أَهْلِ الجَنّةِ مَنْزِلَةً الّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوجَةً وتُنْصَبُ لَهُ قُبّةٌ مِنْ لُؤلُؤٍ وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ كَمَا بَيْنَ الجَابِيَة إِلَى صَنْعَاءَ". وَبِهَذَا الاْسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الجَنّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدّونَ بنِي ثَلاَثِينَ في الجَنّةِ لاَ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَداً، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النّارِ" وَبِهَذَا الاْسْنَادِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ عَلَيْهِمْ التّيجَانُ إِنّ ادْنَى لُؤلُؤةٍ مِنْهَا لتُضِيءُ مَا بَيْنَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفهُ إِلاَ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بنِ سَعْدٍ.
2621- حدّثنا أَبُو بَكْرٍ مُحّمدُ بنُ بَشّارٍ حدثنا مُعَاذُ بنُ هِشَامٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ، عن أَبِي الصّدّيقِ النّاجِيّ، عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُؤمِنُ إِذَا اشْتَهَى الْوَلَدَ فِي الْجَنّةِ كَانَ حَمْلُهُ وَوَضْعُهُ وَسِنّهُ فِي سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ العِلْمِ فِي هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الجَنّةِ جِمَاعٌ وَلاَ يَكُونُ وَلَدٌ، هَكَذَا رْوَى عن طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْراهيمَ النّخَعِيّ. وَقَالَ مُحَمّدٌ: قَالَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهيمَ في حَدِيثِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: إِذَا اشْتَهَى المُؤْمِنُ الْوَلَدُ في الجَنّةِ كَانَ في سَاعَةٍ كَمَا يَشْتَهِي وَلَكِنْ لاَ يَشْتَهِي: قالَ مُحَمّدٌ: وَقَدْ رُوِيَ عن أَبِي رَزِينٍ العُقَيِليّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّ أَهْلَ الجَنّةِ لاَ يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ. وَأَبُو الصَدّيقِ النّاجِيّ اسْمُهُ بَكْرُ بنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ بَكْرُ بنُ قَيْسٍ أيْضاً.
- قوله: (أدنى أهل الجنة منزلة) أي أقلهم مرتبة (الذي له ثمانون ألف خادم) قال المناوي: أي يعطى هذا العدد أو هو مبالغة في الكثرة (واثنتان وسبعون زوجة) أي من الحور العين كما في رواية. أي غير ماله من نساء الدنيا (وتنصب له) بصيغة المجهول أي تضرب وترفع له (قبة) بضم القاف وشد الموحدة بيت صغير مستدير (من لؤلؤ) بضم اللامين (وزبرجد وياقوت) قال القاضي: يريد أن القبة معمولة منها أو مكللة بها (كما بين الجابية) قرية بالشام (إلى صنعاء) قصبة باليمن تشبه دمشق في كثرة الماء والشجر والمسافة بينهما أكثر من شهر. والمعنى أن فسحة القبة وسعتها طولا وعرضاً وبعد ما بين طرفيه كما بين الموضعين. وإذا كان هذا للأدنى فما بالك للأعلى. وهذا الحديث أخرجه أيضاً أحمد وابن حبان والضياء.
قوله: (وبهذا الإسناد) أي الإسناد السابق.
قوله: (من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون) بصيغة المجهول أي يعودون، وفيه تغليب، لأنه لا رد في الصغير، أو المعنى يصيرون (في الجنة) متعلق بقوله يردون (لا يزيدون عليها أبداً) أي زيادة مؤثرة في تغبير أبدانهم وأعضائهم وشعورهم وأشعارهم، وإلا فزمانهم في الجنة يتزايد أبد الاَبدين (وكذلك أهل النار) أي في العمر وعدم الزيادة. قال الطيبي: فإن قلت ما التوفيق بين هذا الحديث وبين ما رواه مسلم عن أبي هريرة في باب البكاء صغارهم دعا ميص الجنة أي داخلون على منازلهم لا يمنعون من موضع كما في الدنيا، قلت: في الجنة ظرف ليردون وهو لا يشعر أنهم لم يكونوا دعا ميص قبل الرد.
قوله: (إن عليهم) أي على رؤوس أهل الجنة (التيجان) بكسر المثناة الفوقية جمع تاج (إن أدنى لؤلؤة منها) أي من التيجان (لتضيء) بالتأنيث. قال القاري: ولعل وجهه أن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه. والمعنى لتنور (ما بين المشرق والمغرب) فأضاء متعد ويمكن أن يكون لازماً، والتقدير ليضيء به ما بينهما من الأماكن لو ظهرت على الدنيا.
قوله: (هذا حديث غريب) أي كل واحد من الأحاديث الثلاثة المذكورة بالإسناد الواحد غريب (لا نعرفه إلا من حديث رشدين بن سعد) وهو ضعيف.
- قوله: (كان حمله) أي حمل الولد (ووضعه وسنه) أي كمال سنه، وهو الثلاثون سنة (كما يشتهي) من أن يكون ذكراً أو أنثى أو نحو ذلك.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجة وابن حبان والدارمي.
قوله: (وقال محمد) هو الإمام البخاري (قال إسحاق بن إبراهيم) هو ابن راهوية (ولكن لا يشتهي) هذا هو مقول إسحاق بن إبراهيم (عن أبي رزين العقيلي) صحابي مشهور اسمه لقيط بن صبرة (إن أهل الجنة لا يكون لهم فيها ولد) لم أقف على من أخرج هذا الحديث بهذا اللغظ. وروى أحمد في مسنده عن أبي رزين العقيلي حديثاً طويلاً وفيه: الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا، ويلذذن بكم غير أن لا توالد.
1612- باب ما جَاءَ في كَلاَمِ الْحُورِ الْعَين
أي في غنائهن. وقد عقد المنذري في الترغيب فصلا في غناء الحور العين، وأورد فيه أحاديث الباب
2622- حَدّثنا هَنّادٌ وَ أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ قَالاَ: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، قال: حدثنا عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ إِسْحَاقَ عن النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ عن عَلِيّ قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ في الجَنّةِ لمُجْتَمَعاً لِلحُورِ العِينِ يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ لَمْ يَسْمَعْ الْخَلاَئِقُ مِثْلَهَا قال يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلاَ نَبِيدُ، وَنَحْنُ النّاعِمَاتُ فَلاَ نبأَسُ، وَنَحْنُ الرّاضِيَاتُ فَلاَ نَسْخَطُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنّا لَهُ". وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ.
قال أبو عيسى: حدِيثُ عَلِيّ حَدِيثٌ غريبٌ.
2623- حدّثنا محمدُ بنُ بشار حدثنا روحُ بنُ عبادَةَ عن الأوزاعي عن يحيى بنِ ابي كثير في قولهِ عزّ وجلّ {فَهُمْ في رَوضَة يحْبُروُنْ} قال السّمّاعُ: ومعنا السّمّاع مثل ما ورد في الحديث أن الحور العين يرفعن بأصواتهن.
- قوله: (إن في الجنة لمجتمعاً) بفتح الميم الثانية أي موضعاً للاجتماع أو اجتماعاً (يرفعن بأصوات) الباء الزائدة تأكيد للتعدية، أو أراد بالأصوات النغمات والمفعول محذوف أي يرفعن أصواتهن بأنغام (نحن الخالدات) أي الدائمات (فلا نبيد) أي لا تهلك ولا نموت من باد أي هلك وفنى (ونحن الناعمات) أي المتنعمات (فلا نبأس) أي لا نفتقر ولا نحتاج. قال في القاموس: بؤس ككرم بأساً وبئس كسمع بؤساً اشتدت حاجته (ونحن الراضيات) أي عن ربنا أو عن أصحابنا (فلا نسخط) في حال من الأحوال (طوبى) أي الحالة الطيبة (لمن كان لنا وكنا له) أي في الجنات العاليات.
- قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة وأبي سعيد وأنس) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي عنه موقوفاً، قال: إن في الجنة نهراً طول الجنة حافتاه العذارى قيام متقابلات يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها. قلن يا أبا هريرة ما ذاك الغناء قال: إن شاء الله التسبيح والتحميد والتقديس وثناء على الرب عز وجل. وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه. وأما حديث أنس فأخرجه ابن أبي الدنيا والطبراني عنه مرفوعاً ولفظه إن: الحور في الجنة يغتين يقلن نحن الحور الحسان هدينا لأزواج كرام. قال المنذري وإسناده مقارب.
قوله: (هذا علي حديث غريب) وأخرجه البيهقي.
1613- باب ما جاءَ في صِفَة أَنْهارِ الْجَنّة
2624- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، حدثنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا الْجُرَيْرِيّ، عن حَكِيمٍ بنِ مُعَاوِيَةَ، عن أَبِيِه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ فِي الْجَنّةِ بَحْرَ المَاءِ، وَبَحْرَ العَسَلِ، وَبَحْرَ الّلبَنِ، وَبَحْرَ الْخَمْرِ، ثمّ تُشَقّقُ الأَنْهَارُ بَعْدُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَحَكِيمُ بنُ مُعَاوِيَةَ هُوَ وَالِدُ بَهْزٍ بن حكيم، والجريري يُكنّى أَبا مسعود واسمه سعيد بن إِياس.
2625- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنَا أَبُو الأَحْوصِ، عن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَأَلَ الله الجَنّةَ ثَلاَثَ مَرّاتٍ قَالَتْ الجَنّةُ الّلهُمَ أَدْخِلْهُ الجَنّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النّارِ ثَلاَثَ مَرّاتٍ، قَالَتْ النّارُ: الّلهُمّ أَجِرْهُ مِنَ النّارِ" قال: هَكَذَا رَوَى يُونُسُ بن أَبي اسحاق عن أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الحَدِيثَ عن برَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عن أَنَسٍ بن مالك موقوفاً أَيضاً. عن النبي صلى الله عليه وسلم نَحوَه. وقد رُوِيَ عن أَبِي إسْحَاقَ عَن بُرَيد بن أبي مريَمَ عن أنس بن مالك قوله موقوفاً أيضاً.
2626- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنَا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن أَبِي اليَقْظَانِ، عن زَاذَانَ، عن عبد الله بنِ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ثَلاَثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ المِسْكِ أُرَاهُ قالَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَغَبِطُهُمُ الأَوّلُونَ وَالاَخِرُونَ: رَجُلٌ يُنَادِي بالصّلَوَاتِ الْخَمْسِ في كُلّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَرَجُلٌ يؤُمّ قَوْماً وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ، وَعَبْدٌ أَدّى حَقّ الله وحَقّ مَوَالِيِه".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ من حديث سُفْيَانَ الثّوْرِيّ. وَأَبُو اليَقْظَانِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بنُ عُمَيْرٍ، وَيُقَالُ ابنُ قَيْسٍ.
2627- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنَا يَحْيَى بنُ آدَمَ عن أَبِي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، عن الأعْمَشِ عن مَنْصُورٍ، عن رِبْعِيّ بن خراس عَنْ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ يَرْفَعُهُ قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُحِبّهُمُ الله عَزّ وَجَلّ: رَجُلٌ قَامَ مِنَ الّليْلِ يَتْلُو كِتَابَ الله، وَرَجُلٌ تَصَدّقَ صَدَقَةً بِيَمِينِهِ يُخْفِيهَا، أُرَاهُ قال مِنْ شِمَالِهِ، وَرَجُلٌ كَانَ في سَرِيّةٍ فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ فَاسْتَقْبَلَ الْعَدُوّ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ وهو غَيْرُ مَحْفوظٍ. والصّحِيحُ مَا رَوَى شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ عن مَنْصُورٍ، عن رِبْعِيّ بنِ خِرَاشٍ، عن زَيْدِ بنِ ظَبْيَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَأَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ كَثِيرُ الغَلَطِ.
عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ. وَقَدْ رُوِيَ عن أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ بنِ مَالِكِ قَوْلُهُ.
2628- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، وَ مُحمّدُ بنُ المَثَنّى، قَالاَ: حدثنا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرنَا شُعْبَةُ عن مَنْصُورِ بنِ المُعْتَمِرِ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيّ بنَ خِرَاشٍ يُحَدّثُ عَنْ زَيْدِ بنِ ظَبْيَانَ يرَفَعَهُ إِلَى أَبِي ذَرٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاَثَةٌ يُحبِهُمُ الله وثَلاَثَةٌ يُبْغِضُهُمُ الله، فَأَمّا الّذِينَ يُحِبّهُمُ الله فَرَجُلٌ أَتَى قَوْماً فسَأَلَهُمْ بِالله، وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ بِقَرَابَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فَمَنَعُوهُ فَتَخَلّفَ رَجُلٌ بِأَعْقَابِهِمْ فَأَعْطَاهُ سِراً لاَ يَعْلَمُ بِعَطِيّتِهِ إِلاّ الله وَالّذِي أَعْطَاهُ. وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتّى إِذَا كَانَ النّوْمُ أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِمّا يُعْدَلُ بِهِ فَوَضَعُوا رُؤُسَهُمْ فَقَامَ أحدهم يَتَمَلّقُنِي وَيَتْلُو آياتِي، وَرَجُلٌ كَانَ في سَرِيّةِ فَلَقِيَ العَدُوّ فَهُزِمُوا، وَأَقْبَلَ بِصَدْرِهِ حَتّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ. وَالثّلاَثَةُ الّذِينَ يُبْغِضُهُمْ الله: الشّيْخُ الزّانِي، وَالفَقِيرُ المُخْتَالُ، وَالْغَنِيّ الظّلُومُ".
2629- حدّثنا مَحْمُود بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا النّضْرِ بنُ شُمَيْلٍ عن شُعْبَةَ نَحْوَهُ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صحيحٌ.
وَهَكَذَا رَوَى شَيْبَانُ عن مَنْصُورٍ نَحْوَ هَذَا. وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثَ أَبِي بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ".
2630- حَدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجّ، أَخْبَرنَا عُقْبَةُ بنُ خَالِدٍ، أَخْبَرنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر، عن خبِيبِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ، عَنْ جَدّهِ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ الفُرَاتُ يَحْسِرُ عن كَنْزِ مِنْ ذّهَبِ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئاً".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2631- حدّثنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشْجّ، حدثنَا عُقبَةُ بنُ خَالِدٍ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ عُمَر عن أَبِي الزّنَادِ عن الأَعْرَجِ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ إِلاّ أَنّهُ قَالَ "يَحْسِرُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- قوله: (أخبرنا الجريري) بضم الجيم هو سعيد بن إياس (عن أبيه) أي معاوية بن حيدة وهو جد بهز.
قوله: (إن في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر) قال الطيبي: يريد بالبحر مثل دجلة والفرات ونحوهما، وبالنهر مثل نهر معقل حيث تشقق من أحدهما ثم منه تشقق جداول. وقال القاري: قد يقال المراد بالبحار هي الأنهار، وإنما سميت أنهاراً لجريانها بخلاف بحار الدنيا، فإن الغالب منها أنها في محل القرار (ثم تشقق) بحذف إحدى التاءين من باب التفعل، ويحتمل أن يكون يصيغة المجهول من التشقيق (بعد) أي بعد دخول أهل الجنة الجنة.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والبيهقي.
- قوله: (من سأل الله الجنة) بأن قال: اللهم إني أسالك الجنة، أو قال اللهم أدخلني الجنة (ثلاث مرات) أي كرره في مجالس أو مجلس بطريق الإلحاح على ما ثبت أنه من آداب الدعاء (قالت الجنة) ببيان الحال أو بلسان القال لقدرته تعالى على إنطاق الجمادات وهو الظاهر (اللهم أدخله الجنة) أي دخولا أولياً أو لحوقاً آخرياً (ومن استجار) أي استحفظ (من النار) بأن قال اللهم أجرني من النار (قالت النار اللهم أجره) أي احفظه أو أنقذه (من النار) أي من دخوله أو خلوده فيها. قال الطيبي: وفي وضع الجنة والنار موضع ضمير المتكلم تجريدونوع من الالتفات انتهى. وحديث أنس هذا أخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد.
- قوله: (يغبطهم الأولون والاَخرون) أي يتمنون أن لهم مثل ما لهم. والحديث قد تقدم في باب فضل المملوك صالح من أبواب البر والصلة، وتقدم هناك شرحه.
- قوله: (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن ربعي) هو ابن خراش العبسي الكوفي.
قوله: (يرفعه) أي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يقل هذا الأوهم أن يكون الحديث موقوفاً على ابن مسعود لقوله بعده (قال ثلاثة) ولم ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم (رجل قام من الليل) أي للتهجد فيه (يتلوا كتاب الله) أي القرآن في صلاته وخارجها (بيمينه) وفيه إيماء إلى الأدب في العطاء بأن يكون باليمين رعاية للأدب وتفاؤلا باليمن والبركة (يخفيها) أي يخفي تلك الصدقة غاية الإخفاء خوفاً من السمعة والرياء مبالغة في قصد المحبة والرضاء (أراه) بضم الهمزة من الإرادة، أي أظنه (من شماله) أي يخفيها من شماله أريد به كمال المبالغة (ورجل كان في سرية) أي في جيش صغير (فاستقبل العدو) أي وقاتلهم لتكون كلمة الله هي العليا.
قوله: (حدثنا عبيد الله بن عمر) بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي العمري (عن خبيب بن عبد الرحمن) هو خال عبيد الله بن عمر العمري (عن جده) أي عبيد الله بن عمر.
قوله: (يوشك الفرات) كغراب، النهر المشهور وهو بالتاء ويقال يجوز بالهاء كالتابوت والتابوه والعنكبوت والعنكبوه ذكره الحافظ وقال في القاموس: الفرات الماء العذب جداً ونهر بالكوفة (يحسر) قال النووي: هو بفتح الياء المثناة تحت وكسر السين، أي ينكشف لذهاب مائة (فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً) هذا يشعر بأن الأخذ منه ممكن، وعلى هذا فيجوز أن يكون دنانير، ويجوز أن يكون قطعاً ويجوز أن يكون تبراً، والذي يظهر أن النهي عن أخذه من الفتنة والقتال عليه. وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: يحسر الفرات عن جبل من ذهب فيقتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ويقول كل رجل منهم لعلي أكون أنا الذي أنجو. وأخرج مسلم أيضاً عن أبي بن كعب قال: لا يزال الناس مختلفة أعناقهم في طلب الدنيا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يوشك أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، فإذا سمع به الناس ساروا إليه فيقول من عنده لئن تركنا الناس يأخذون منه ليذهبن به كله. قال فيقتتلون عليه، فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان في الفتن، وأبو داود في الملاحم.
- قوله: (إلا أنه قال يحسر عن جبل من ذهب) يعني أن الروايتين اتفقتا إلا في قوله كنز. فقال الأعرج جبل، وتسميته كنزاً باعتبار حاله قبل أن ينكشف وتسميته جبلا للإشارة إلى كئرته، ويؤيده ما أخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه: تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود
- قوله: (عن زيد بن ظبيان) بفتح المعجمة بعدها موحدة ساكنة الكوفي مقبول من الثانية. قاله الحافظ في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب في ترجمته: روى عن أبي ذر وعنه ربعي بن حراش روى له الترمذي والنسائي حديثاً واحداً ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم. قال ذكره ابن حبان في الثقات، وأخرج هو وابن خزيمة به في الصحيح انتهى.
قوله: (فأما الذين يحبهم الله فرجل) أي معطى رجل (أتى قوماً فسألهم بالله) أي مستعطعاً بالله قائلاً: أنشدكم بالله أعطوني (ولم يسألهم لقرابة) أي ولم يقل أعطوني بحق قرابة (فمنعوه) أي الرجل العطاء (فتخلف رجل بأعيانهم) قال القاري: الباء للتعدية، أي بأشخاصهم وتقدم. وقيل أي تأخر رجل من بينهم إلى جانب حتى لا يروه بأعيانهم من أشخاصهم. وقال الطيبي: أي ترك القوم المسئول عنهم خلفه فتقدم فأعطاء سراً، والمراد من الأعيان الأشخاص أي سبقهم بهذا الخير فجعلهم خلفه، وفي رواية الطبراني: فتخلف رجل عن أعيانهم، وهذا أشبه معنى والأول أوثق سنداً. والمعنى أنه تخلف عن أصحابه حتى خلا بالسائل فأعطاه سراً (ولا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه) تقرير لمعنى السر (وقوم) أي وقائم قوم (أحب إليهم) أي ألذ وأطيب (مما يعدل به) أي من كل شيء يقابل ويساوي بالنوم (فوضعوا رؤوسهم) أي فناموا (قام رجل) أي من النوم (يتملقني) أي يتواضع لدي ويتضرع إلى. قال الطيبي: والملق بالتحريك الزيادة في التودد والدعاء والتضرع، قيل دل أول الحديث على أنه من كلامه صلى الله عليه وسلم وآخره على أنه من كلامه تعالى، ووجه بأن مقام المناجاة يشتمل على أسرار ومناجاة بين المحب والمحبوب. فحكى الله لنبيه ما جرى بينه وبين عبده فحكى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لا بمعناه إذ لا يقال يتملق الله وليس هذا من الالتفات في شيء كذا في المرقاة (ويتلو آياتي) أي يقرأ ألفاظها ويتبعها بالتأمل في معانيها (فهزموا) أي أصحابه (فأقبل بصدره) أي خلا من ولي دبره بتولية ظهره (حتى يقتل أو يفتح له) أي حتى يفوز بإحدى الحسنيين (الشيخ الزاني) يحتمل أن يراد بالشيخ الشيبة ضد الشاب وأن يراد به المحصن ضد البكر كما في الاَية المنسوخة الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم (والفقير المختال) أي المتكبر (والغني الظلوم) أي كثير الظلم في المطل وغيره، وإنما خص الشيخ وأخويه بالذكر لأن هذه الخصال فيهم أشد مذمة وأكثر نكرة.
قوله: (هذا حديث صحيح) وأخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه والحاكم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق