ب اوه

بي اوهو

نوشيرك بريد /الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟ /وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام  /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. /لابثين فيها أحقابا/ المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر / /ُمَّاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

الاثنين، 28 فبراير 2022

المنتقى من كتاب "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " للعلامة ابن القيم ..

 

=============

المنتقى من كتاب "حادي الأرواح  إلى بلاد الأفراح " للعلامة ابن القيم 

جمع

فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ 

حقوق الطبع والنشر لكل مسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فكل مسلم يشتاق إلى الجنة, الدار التي غرسها الله جل جلاله بيده, وجعلها مقراً لأحبابه, وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه, ووصف نعيمها بالفوز العظيم, وملكها بالملك الكبير, وأودعها جميع الخير بحذافيره, وطهرها من كل عيب وآفة ونقص, نعيمها دائم لا يزول ولا يحول,  فيها ما لا عين رأت, ولا أُذُن سمعت, ولا خطَرَ على قلب بشرٍ !

هذه الجنة أبدع لعلامة ابن القيم رحمه الله, في وصف نعيمها, في  كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " قال في مقدمته: محرك للقلوب إلى أجل مطلوب, وحادٍ للنفوس إلى مجاورة الملك القدوس, ممتع لقارئه, مشوق للناظر فيه, لا يسأمه الجليس, ولا يمله الأنيس, مُشتمل من بدائع الفوائد, وفرائد القلائد, على ما لعل المجتهد في الطلب لا يظفر به فيما سواه من الكتب.

وقد انتقيتُ شيئاً من تلك الفوائد, لا تغنى عن أصل الكتاب, أسأل الله الكريم أن ينفع بها, ويبارك فيها, كما أسأله بمنه وكرمه أن نكون جميعاً من أهل الجنة الذين ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله: } ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أُولئك رفيقاً[[النساء:69]

 

 

ــــ(3)

 

الباب الأول: في بيان وجود الجنة

 لم يزل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, والتابعون, وتابعوهم, وأهل السنة والحديث قاطبة, وفقهاء الإسلام, وأهل التصوف والزهد في اعتقاد ذلك وإثباته, مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة, وما عُلِمَ بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم, فإنهم دعوا الأمم إليها, وأخبروا بها.

ولهذا يذكر السلف في عقائدهم: أن الجنة والنار مخلوقتان, ويذكر من صنف في المقالات أن هذه مقالة أهل السنة, والحديث قاطبة لا يختلفون فيها.

وقد دلَّ على ذلك من القرآن: قوله تعالى: } ولقد رآهُ نزلة أُخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة الماوى [ [النجم:13-15]

وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى, ورأى عندها الجنة, كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه, في قصة الإسراء, وفي آخره: ( ثُمَّ انطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى, فغشيها ألوان لا أدري ما هي ؟ قال: ثُم أُدخلت الجنة, فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ, وإذا ترابها المسك.)

وفي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنه أن رسول اله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحدكم إذا مات عُرض على مقعده بالغداة والعشي, إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة, وإن كان من أهل النار فمن أهل النار, فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة )

 

 

ــــ(4)

وفي المسند وصحيح الحاكم وابن حبان وغيرهم من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه, قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار – فذكر الحديث بطوله – وفيه: ( فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي, فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة, وافتحوا له باباً من الجنة, قال: فيأتيه من روحها وطيبها) وذكر الحديث.

وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه, وإنه ليسمع قرع نعالهم, قال: فيأتيه ملكان فيقعدانه: فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله, قال: فيقولان له: انظر إلى مقعدك من النار, قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة, قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: فيراهما جميعاً.)

وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عن ابن عباس قال: انخسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث, وفيه فقال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله, لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته, فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله, فقالوا: يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك, ثم رأيناك تكعكعت, فقال: إني رأيت الجنة, وتناولت عنقوداً, ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا, وأُريت النار, فلم أرَ منظراً كاليوم قطُّ أفظع, ورأيتُ أكثر أهلها النساء, قالوا: بِمَ يا رسول الله ؟ قال: بكفرهَّن, قيل : أيكفرن بالله ؟  قال: يكفرن العشير, ويكفرن الإحسان, لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله, ثم رأت منك شيئاً, قالت: ما رأيت منك خيراً قطُّ)

ــــ(5) 

الباب التاسع: في ذكر عدد أبواب الجنة

قال الله تعالى: } وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زُمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين [ [الزمر:73] وقال في صفة النار: } حتى إذا جاءوها فُتحت أبوابها [ [الزمر:71] بغير واو.

فقالت طائفة: هذه واو الثمانية دخلت في أبواب الجنة, لكونها ثمانية, وأبواب النار سبعة فلم تدخل الواو, وهذا قول ضعيف لا دليل عليه, ولا تعرفه العرب, ولا أئمة العربية, وإنما هذا من استنباط بعض المتأخرين.

بقي أن يقال: ما هو السرُّ في حذف الجواب في آية أهل الجنة, وذكره في آية أهل النار, فيقال: هذا أبلغ في الموضعين, فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها, وأبوابها مغلقة, حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم ففجأهم العذابُ بغتةً, فحين انتهوا إليها } فُتحت أبوابها [ بلا مهلة, فإن هذا شأن الجزاء المترتب على الشرط أن يكون عقيبه, فإنها دار الإهانة والخزي, فلم يستأذن لهم في دخولها, ويُطلب من خزنتها أن يمكنوهم من الدخول.

وأما الجنة فإنها دار الله, ودار كرامته, ومحل خواصه وأوليائه, فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم, ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله, فكلهم يتأخر عن ذلك, حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول: أنا لها, فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه, فيدعو ما شاء أن يدعه, ثم يأذنُ له في رفع رأسه, وأن يسأل حاجته, فيشع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه, ويفتحها تعظيماً لخاطره, وإظهاراً لمنزلة رسوله وكرامته عليه.

 

ــــ(6)

وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك ورب العالمين, إنما دُخِلَ إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها, وما ركبه من الأطباق طبقاً بعد طبق, وقاساه من الشدائد شدةً بعد شدة, حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسله, وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم.

وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يُقدَّرُ بخلاف ذلك, ولئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء, فجنة الله غالية عالية, بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به, فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار ؟ فليُعدِّ عنها إلى ما هو أولى به, وقد خُلق له وهُيّي له.

وتأمل ما في سوقِ الفريقين إلى الدارين زمراً من فرحة هؤلاء بإخوانهم, وسيرهم معهم كل زمرة على حدة, مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم, مستبشرين أقوياء القلوب, كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير, كذلك يؤنس بعضهم بعضاً, ويفرح بعضهم ببعض.

وكذلك أصحاب الدار الأُخرى يُساقون إليها زمراً, يلعن بعضهم بعضاً, ويتأذى بعضهم ببعض, وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة والهتيكه, من أن يساقوا واحداً واحداً, فلا تهمل تدبر قوله: } زمراً [  

وقال خزنة أهل الجنة لأهلها: } سلام عليكم [ فبدؤوهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شرٍّ ومكروه, أي: سلمتم, فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون, ثم قالوا لهم: } طبتم فادخلوها [ أي: سلامتكم ودخولها بطيبكم, فإن الله حرمها إلا على الطيبين, فبشروهم بالسلامة والطيب, والدخول والخلود.

ــــ(7)

وأما أهل النار, فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن, وفتحت لهم أبوابها, ووقفوا عليها وزيدوا إلى ما هم عليه توبيخ خزنتها, وتبكيتهم لهم بقولهم: } ألم يأتكم رُسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم ويُنذرونكم لقاء يومكم هذا [ [الزمر:71] فاعترفوا وقالوا: بلى. فبشروهم بدخولها والخلود فيها, وأنها بئس المثوى لهم.

وتأمل قوله سبحانه: } جنات عدنٍ مُفتحةً لهم الأبواب * مُتكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب [ [ص:50-51] كيف تجد تحته معنى بديعاً, وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما قال.

وأما النار فإذا دخلها أهلها أُغلقت عليهم أبوابها, كما قال تعالى: } إنها عليهم مُؤصدة [ [الهمزة:8] أي مطبقة مغلقة, ومنه سُميَ الباب وصيداً وهي: } مُؤصدة * في عمدٍ ممدة [ قد جعلت العُمُد ممسكة للأبواب من خلفها, كالحجر العظيم الذي يُجعل خلف الباب.

قال مقاتل: يعني أبوابها عليهم مطبقة, فلا يفتح لها باب, ولا يخرج منها غم, ولا يدخل فيها روح آخر الأبد.

وأيضاً: فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبؤهم من الجنة حيث شاؤوا, ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتُّحف والألطاف من ربهم, ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت.

وأيضاً: إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب, كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا.

 

ــــ(8)

وفي الصحيحين..عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أنفق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيل الله, دُعي من أبواب الجنة, يا عبدالله هذا خير, فمن كان من أهل الصلاة, دُعي من باب الصلاة, ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد, ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة, ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان) فقال أبو بكر: بأبي أنت وأُمي يا رسول الله, ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة, فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها, فقال: ( نعم, وأرجو أن تكون منهم )

وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما منكم من أحدٍ يتوضأ فيبُلغ أو فيسبغُ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله, إلا فتحت له أبوابُ الجنة الثمانية يدخلُ من أيها شاء)

زاد الترمذي بعد التشهد: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )

وعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من مسلم يُتوفى له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث, إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية, من أيها شاء دخل ) رواه ابن ماجه.

 

 

 

 

 

ــــ(9)

الباب العاشر: في ذكر سعة أبوابها

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم, فتناول الذراع – وكان أحب الشاة إليه – فنهس نهسة وقال: ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) ثم نهس أخرى, وقال: ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) فلما رأى أصحابه لا يسألونه, قال: (ألا تقولون كيف ؟ ) قالوا: كيف يا رسول الله ؟ قال: ( يقوم الناس لرب العالمين فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر ) فذكر حديث الشفاعة بطوله, وقال في آخره: ( فأنطلق فآتى تحت العرش, فأقع ساجداً لربي, فيقيمني ربُّ العالمين مقاماً لم يقمه أحداً من قبلي, ولن يقيمه أحداً بعدي, فأقول: يا رب أمتي. فيقول: يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن, وهو شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب, والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر, أو هجر ومكة.)

وفي لفظ: ( لكما بين مكة وهجر, أو كما بين مكة وبُصرى ) متفق على صحته.

الباب الثالث عشر: في مكان الجنة وأين هي ؟

قال الله تعالى: } ولقد رآهُ نزلة أُخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة الماوى [ [النجم:13-15]

وقد ثبت أن سدرة المنتهى فوق السماء, وسميت بذلك, لأنه ينتهي إليها ما بنزل من عند الله, فيُقبض منها, وما يصعدُ إليه فيقبضُ منها,

وقال تعالى: } وفي السماء رزقكم وما توعدون [ [الذاريات:22]

قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: " هو الجنة " وكذلك تلقاه الناسُ عنه.

ــــ(10)

الباب الرابع عشر: في مفتاح الجنة

عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله )

رواه الإمام أحمد في مسنده, ولفظه " مفاتيح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله " 

وذكر البخارى في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله ؟ قال: بلى, ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان, فإن أتيت بمفتاح له أسنان فُتح لك, وإلا لم يفتح.

وروى أبو نعيم من حديث أبان عن أنس رضي الله عنه قال: قال أعرابي يا رسول الله ما مفاتيح الجنة ؟ قال: لا إله إلا الله.

وفي المسند من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ( ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ ) قلتُ: بلى, قال: ( لا حول ولا قوة إلا بالله )

وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحاً يفتح به, فمفتاح الصلاة: الطهور, ومفتاح الحج: الإحرام, ومفتاح البر: الصدق, ومفتاح الجنة: التوحيد, ومفتاح العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء, ومفتاح النصر والظفر: الصبر, ومفتاح المزيد: الشكر, ومفتاح الولاية والمحبة: الذكر, ومفتاح الفلاح: التقوى, ومفتاح التوفيق: الرغبة والرهبة, ومفتاح الإجابة: الدعاء, ومفتاح الرغبة في الآخرة: الزهد في الدنيا, ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار, وترك الذنوب, ومفتاح حصول الرحمة: الإحسان في عبادة الخالق, والسعي في نفع عبيده, ومفتاح الرزق: السعي مع الاستغفار والتقوى, ومفتاح العزِّ: طاعة الله ورسوله, ومفتاح الاستعداد للآخرة: قصر الأمل, ومفتاح كل خير : الرغبة في الله والدار الآخرة.

ــــ(11)

ومفتاح كل شرٍّ: حُب الدنيا, وطول الأمل.

وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم, وهو معرفة مفاتيح الخير والشر,  لا يُوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه, فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يُدخل منه إليه, كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله, والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار, وكما جعل الخمر مفتاح كلِّ إثمٍ, وجعل الغناء مفتاح الزنا, وجعل إطلاق النظر في الصور: مفتاح الطلب والعشق, وجعل الكسل والراحة: مفتاح الغيبة والحرمان, وجعل المعاصي: مفتاح الكفر, وجعل الكذب: مفتاح النفاق, وجعل الشح والحرص: مفتاح البخل وقطيعة الرحم, وأخذ المال من غير حلِّه, وجعل الإعراض عمَّا جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح كل بدعة وضلالة.

وهذه الأمور لا يصدق بها إلا من له بصيرة صحيحة, وعقل يعرف ما في نفسه, وما في الوجود من الخير والشر, فينبغي للعبد أن يعتني كل الاعتناء بمعرفة المفاتيح, وما جُعلت مفاتيح له, والله من وراء توفيقه وعدله, له الملك وله الحمد, وله النعمة والفضل, لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

 

 

 

 

 

 

ــــ(12)

الباب السابع عشر: في درجات الجنة

قال تعالى: } لا يستوى القاعدون من المؤمنين غير أُولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل اللهُ المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً * درجاتٍ منه ومغفرةً ورحمةً وكان الله غفوراً رحيماً [[النساء:95-96]وعن الضحاك في قوله تعالى: }لهم درجات عند ربهم [[الأنفال:4]قال: بعضهم أفضل من بعض, فيرى الذي قد فضل به فضله, ولا يرى الذي هو أسفل منه, أنه فُضِّل عليه أحد من الناس

وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله علية الصلاة والسلام قال:(إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما يتراءون الكوكب الدري الغابر من الأُفق: من المشرق أو المغرب, لتفاضل ما بينهم, قالوا: يا رسول الله, تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال: بلى, والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ) وفي المسند عنه أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يُقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة اقرأ واصعد, فيقرأ ويصعد بكل آية درجة حتى يقرأ آخر شيءٍ معه)وهذا صريح في أن درج الجنة تزيد على مائة درجة.

وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي رواه البخاري في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن في الجنة مائة درجة أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فأسالوه الفردوس, فإنه وسط الجنة, وأعلى الجنة, وفوقه عرش الرحمن, ومنه تفجر أنهار الجنة )فإما أن تكون هذه المائة درجة من جملة الدرج, وإما أن تكون نهايتها هذه المائة, وفي ضمن كل درجة درج دونها.

ــــ(13)

الباب الثامن عشر: في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة

روى مسلم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول, ثم صلوا عليَّ, فإنه من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليها بها عشراً, ثم سلُوا الله لي الوسيلة, فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن أكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة )

وفي المسند من حديث عمارة بن غزية, عن موسى بن وردان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الوسيلة درجة عند الله عز وجل, ليس فوقها درجة, فسلوا الله لي الوسيلة)

وسميت درجة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة, لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرب تبارك وتعالى, وهي أقرب الدرجات إلى الله.

وأصل اشتقاق لفظ: "الوسيلة" من القُرب, وهي فعيلة: من وَسَلَ إليه: إذا تقرب إليه.

والقُربى والزلفى: واحد, وإن كان في الوسيلة معنى التقرب إليه بأنواع الوسائل.

قال الكلبي: واطلبوا إليه القربة بالأعمال الصالحة.

 

 

 

 

 

ــــ(14)

الباب التاسع عشر

في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وربهم

قال الله تعالى: } إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يُقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به ذلك هو الفوز العظيم [ [التوبة:111] فجعل الجنة ثمناً لنفوس المؤمنين وأموالهم, بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن, وعقد معهم هذا العقد.

وذكر سبحانه أهل هذا العقد الذين وقع العقد وتم لهم دون غيرهم, وهم:

} التائبون [   مما يكره   }العابدون [   له بما يحب

} الحامدون [ له على ما يحبون وما يكرهون 

} السائحون [ وفُسرت السياحة: بالصيام, وفُسرت: بالسفر في طلب العلم, وفسرت: بالجهاد, وفُسرت بدوام الطاعة.

والتحقيق فيها: أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إليه, ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال.

وأفهمت الآية خطر النفس الإنسانية وشرفها, وعظم قدرها, فإن السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشترى لها من هو, وانظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو ؟ وانظر ما جرى على يده عقد التبايع, فالسلعة: النفس, والله سبحانه هو المشتري لها, والثمن: جنات النعيم, والسفير في هذا العقد: خير الملائكة وأكرمهم عليه, وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه.

ــــ(15)

قد هيؤوك  لأمـرٍ لو فطنت له        فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل 

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله, دلني على عمل إذا عملته دخلتُ الجنة, فقال: ( تعبد الله لا تشركُ به شيئاً, وتقيمُ الصلاة المكتوبة, وتؤتى الزكاة المفروضة, وتصوم رمضان ) قال: والذي بنفس بيده لا أزيدُ على هذا شيئاً أبداً ولا أنقصُ منه, فلما ولًّى قال: ( من سرهُ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ) 

وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه, قال: أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا رسول الله أرأيت إذا صليت المكتوبة, وحرمت الحرام, وأحللتُ الحلال, أدخل الجنة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( نعم )

وفي صحيح مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة )

وفي الصحيحين عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أتاني آتٍ من ربي فأخبرني أو قال: فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة, قلتُ: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق)

وفي الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبدُهُ ورسوله, وأن عيسى عبدالله ورسوله, وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه, وأن الجنة حق, وأن النار حق, أدخله اللهُ من أيِّ أبواب الجنة الثمانية شاء )

وفي لفظ: ( أدخله الله الجنة على ما كان من عمل )

 

ــــ(16)

فصل

وها هنا أمر يجب التنبيه عليه وهو : أن الجنة إنما تُدخل برحمة الله, وليس عمل العبد مستقلاً بدخولها وإن كان سبباً, ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله: } بِما كنتم تعملون [  [العنكبوت:8] ونفى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلوها بالأعمال في قوله: ( لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله )

ولا تنافى بين الأمرين لوجهين:

 أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره, قال: كانوا يقولون: النجاة من النار بعفو الله, ودخول الجنة برحمته, واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال.

ويدل على هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن أهل الجنة إذا دخلوها, نزلوا فيها بفضل أعمالهم ) رواه الترمذي.

والثاني: أن الباء التي نفت باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العِوضين مقابلاً للآخر, والباء التي أثبت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره, وإن لم يكن مستقلاً بحصوله, وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين في قوله: ( سددوا وقاربوا وابشروا, واعلموا أن أحداً منكم لن ينجو بعمله) قالوا: ولا أنت يا رسول الله ؟ قال: ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )

ومن عرف الله سبحانه, وشهد مشهد حقه عليه, ومشهد تقصيره وذنوبه, وأبصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به, والله سبحانه وتعالى المستعان.

 

 

 

ــــ(17)

الباب العشرون

في طلب أهل الجنة لها من ربهم, وطلبهم لهم, وشفاعتهم فيهم إلى ربها عز وجل

قال الله تعالى حكاية عن أولى الألباب من عباده قولهم: } ربنا إننا سمعنا مُنادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذُنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار *ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخُلفُ الميعاد [ [آل عمران:193-194]

والمعنى: وآتنا ما وعدتنا على ألسنة رُسُلك من دخول الجنة.  

فإذا سألوه سبحانه أن ينجز لهم ما وعدهم تضمن ذلك توفيقهم وتثبيتهم وإعانتهم على الأسباب التي ينجز لهم بها وعده, وكان هذا الدعاء من أهم الأدعية وأنفعها, وهم أحوج إليه من كثير من الأدعية.

وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالاً, وهو يحب المُلحين في الدعاء, وكلَّما ألحَّ العبد عليه في السؤال أحبهُ وأعطاه.

قال أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ما من مسلم يسألُ الله الجنة ثلاثاً, إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة, ومن استجار بالله من النار ثلاثاً قالت النار: اللهم أجره من النار)

وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر في قصة معاذ وتطويلهم بهم, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفتى - يعني الذي شكاه - كيف تصنع يا ابن أخي إذا صليت ؟ قال: أقرأُ بفاتحة الكتاب وأسأل الله الجنة وأعوذُ به من النار, وإني لا أدري ما دندنتُك ودندنة معاذ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إني ومعاذ حولها ندندن )

ــــ(18)

الباب الحادي والعشرون: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها

الاسم الأول: الجنة:

وهو الاسم العام المتناول لتلك الدار, وما اشتملت عليه من أنواع النعيم واللذة والبهجة والسرور وقرَّة الأعين.

وأصل اشتقاق من الستر والتغطية, ومنه الجنين: لاستتاره في البطن, والجان: لاستتاره عن العيون

الاسم الثاني: دارُ السلام:

وقد سماها الله بهذا الاسم في قوله: } لهم دار السلام عند ربهم [ [الأنعام:127] وقوله: } والله يدعو إلى دار السلام [ [يونس:25] وهي أحقُّ بهذا الاسم, فإنها دار السلامة من كلِّ بليةٍ وآفةٍ ومكروه, وهي دار الله, واسمه سبحانه السلام الذي سلَّمها, وسلَّم أهلها: } وتحيتهم فيها سلام [ [يونس:10]

الاسم الثالث: دار الخلد:

وسُميت بذلك, لأن أهلها لا يظعنون عنها أبداً, كما قال تعالى: } عطاء غير مجذوذ [ [هود:208] وقال: } إن هذا لرزقنا ما له من نفادٍ [ [ص:54] وقال: } أُكلها دائم وظلُّها [ [الرعد:35]

الاسم الرابع: دار المقامة:

 قال تعالى حكاية عن أهلها: } وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور * الذي أحلَّنا دار المقامة من فضله [ [فاطر:34-35]

الاسم الخامس: جنة الماوى:

قال تعالى: } عندها جنة الماوى [ [النجم:15]

ــــ(19)

الاسم السادس: جنات عدن:

 قال تعالى: } جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيبِ [ [مريم:61]

الاسم السابع: دار الحيوان:

 قال تعالى: } وإن الدار الآخرة لهي الحيوان [ [العنكبوت:64]

قال الكلبي: هي دار حياة لا موت فيها.

الاسم الثامن: الفردوس.

 قال تعالى: } أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون [ [المؤمنون:10-11] وقال تعالى: } إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نُزُلاً [ [الكهف:107]

والفردوس: اسم يقال على جميع الجنة, ويقال على أفضلها وأعلاها, كأنه أحق بهذا الاسم من غيره من الجنات.

الاسم التاسع: جنات النعيم.

 قال تعالى: } إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم [ [لقمان:8]

الاسم العاشر: المقام الأمين.

قال تعالى: } إن المتقين في مقام أمين [ [الدخان:51]

الاسم الحادي عشر والثاني عشر: مَقعَدُ الصدق, وقَدَمُ الصدق

قال تعالى: } إن المتقين في جناتٍ ونهرٍ * في مقعدِ صدق [ [القمر:54-55]

 

 

 

ــــ(20)

الباب الثاني والعشرون

في عدد الجنات, وأنها نوعان: جنتان من ذهب, وجنتان من فضة

الجنة: اسم شامل لجميع ما حوته من البساتين والمساكن والقصور وهي جنات كثيرة جداً, كما روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أم الربيع بنت البراء- وهي أم حارثة بن سراقة- أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة ؟ وكان قُتل يوم بدر أصابه سهم غرب, فإن كان في الجنة صبرتُ, وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء, قال: ( يا أم حارثة, إنها جنان في الجنة, وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى )

وقد قال تعالى:} ولمن خاف مقام ربه جنتان [[الرحمن:46] فذكرهما ثم قال }ومن دونهما جنتان [ [الرحمن:64] فهذه أربع.

 

الباب السادس والعشرون: في ذكر أول الأمم دخولاً الجنة

في الصحيحين من حديث همام بن منبه, عن أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: ( نحنُ السابقون الأولون يوم القيامة, بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا, وأوتيناه من بعدهم ) أي: لم يسبقونا إلا بهذا القدر, فمعنى: (بيد) معنى سوى وغير وإلا أن, ونحوها.

 

 

 

 

ـــــ(21)

الباب السابع والعشرون: في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة وصفتهم

في الصحيحين من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أول زُمرة تلجُ الجنة صُورُهم على صورة القمر ليلة البدر, لا يبصقون فيها, ولا يمتخطون فيها, ولا يتغوطون فيها, آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة, ومجامرهم الأُلُوة, ورشحهم المسك, ولكل واحد منهما زوجتان يُرى مُخُّ سوقهما من وراء اللحم من الحسن, لا اختلاف بينهم ولا تباغض, قلوبهم على قلب واحد, يسبحون الله بكرة وعشياً )

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( عُرِضَ عليَّ أول ثلاثة من أُمتي يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار, فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة: فالشهيد, وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه, وفقير مُتعفف ذو عيال, وأول ثلاثة يدخلون النار: فأمير مُسلط, وذو ثروة من مال لا يؤدي حق الله في ماله, وفقير فخور )

ولما ذكر الله تعالى أصناف بني آدم سعيدهم وشقيهم, قسم سعداءهم إلى قسمين: سابقين وأصحاب يمين, فقال: } والسابقون السابقون [ [الواقعة:10] واختلف في تقديرها على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه من باب التوكيد اللفظي, ويكون خبره قوله تعالى:} أولئك المقربون[

والثاني: أن يكون السابقون مبتدأ, والثاني خبراً له, على حد قولك: زيد زيد

والثالث: أن يكون السبق الأول غير الثاني, ويكون المعنى: السابقون في الدنيا إلى الخيرات هم السابقون يوم القيامة إلى الجنات, والسابقون إلى الإيمان هم السابقون إلى الجنان, وهذا أظهر, والله أعلم.

ــــ(22)

الباب الثامن والعشرون: في سبق الفقراء للأغنياء إلى الجنة

عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسم قال: ( يدخلُ فقراء المسلمين الجنة قبل أغنياهم بنصف يوم, وهو خمسُ مئة عام ) قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وفي صحيح مسلم من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة بأربعين خريفاً )

وتختلف مُدة السبق بحسب أحوال الفقراء والأغنياء, فمنهم من يسبق بأربعين, ومنهم من يسبق بخمس مئة, كما يتأخر مكث العُصاة من الموحدين في النار حسب جرائمهم والله أعلم.

ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه, وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم, بل قد يكون المتأخر أعلى منزلة, وإن سبقه غيره في الدخول, والدليل على هذا أن من الأمة من يدخل الجنة بغير حساب, وهم السبعون ألفاً, وقد يكون بعض من يحاسب أفضل من أكثرهم, والغني إذا حوسب على غِناهُ فوجد قد شكر الله تعالى فيه, وتقرب إليه بأنواع البر والصدقة والمعروف, كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه بالدخول, ولم تلك له تلك الأعمال, ولا سيما إذا شاركه الغني في أعماله هو وزاد عليه فيها, والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

 

 

ــــ(23)

الباب التاسع والعشرون: في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم

قال تعالى: } وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضُها السمواتُ والأرضُ أُعدت للمتقين * الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبُّ المحسنين * والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون* أولئك جزآؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين [ [آل عمران:133-136]فأخبر أنه أعدَّ الجنة للمتقين دون غيرهم, ثم ذكر أوصاف المتقين, فذكر بذلهم للإحسان في حالتي العسر واليسر, والشدة والرخاء, فإن من الناس من يبذل في حال اليسر والرخاء, ولا يبذل في حال العسر والشدة, ثم ذكر كف أذاهم للناس, بحبس الغيظ بالكظم, وحبس الانتقام بالعفو, ثم ذكر حالهم بينهم وبين ربهم في ذنوبهم, وأنها إذا صدرت منهم قابلوها بذكر الله والتوبة والاستغفار وترك الإصرار, فهذا حالهم مع الله, وذاك حالهم مع خلقه.

وقال تعالى: } والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جناتٍ تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم { [التوبة:100] فأخبر تعالى أنه أعدها للمهاجرين والأنصار, وأتباعهم بإحسان, فلا مطمع لمن خرج عن طريقتهم فيها.

وقال تعالى:} إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون* الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم[[الأنفال:2-4]

ــــ(24)

فوصفهم بإقامة حقه باطناً وظاهراً, وبأداء حقوق العباد.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن ينادي في الناس: ( إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ) وفي بعض طرقه ( مؤمنة)

وفي صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق, ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم, وعفيف متعفف ذو عيال )

وفي الصحيحين من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ألا أخبركم بأهل الجنة, كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبرهُ)

وفي الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خيراً, فال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( وجبت وجبت وجبت ) ومُرَّ بجنازة فأُثني عليها شراً, فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ( وجبت وجبت وجبت) فقال عمر رضي الله عنه: فداك أبي وأمي, مُرَّ بجنازة فأُثني عليها خيرا فقلت: وجبت وجبت وجبت, ومُرَّ بجنازة فأثني عليها شراً, فقال: وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة, ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النارُ, أنتم شهداء الله في الأرض, أنتم شهداء الله في الأرض )

وبالجملة فأهل الجنة أربعة أصناف ذكرهم الله سبحانه وتعالى في قوله: } ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أُولئك رفيقاً[[النساء:69] فنسأل الله أن يجعلنا معهم بمنه وكرمه

ــــ(25)

الباب الثلاثون: في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

في الصحيحين من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ فكبرنا, ثم قال: أما ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة ؟ فكبرنا, ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة, وأخبركم عن ذلك, ما المسلمون في الكفار إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود, أو كشعرة سوداء في ثور أبيض)

الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم

ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يدخل الجنة من أمتي زمرة: هم سبعون ألفاً, تضيء وجوهم إضاءة القمر ليلة بدر) فقام عكاشة بن محصن الأسدي فرفع نمرة عليه, فقال: يا رسول الله, ادعُ الله أن يجعلني منهم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم اجعله منهم ) ثم قام رجل من الأنصار فقال: ( يا رسول الله, ادعُ الله أن يجعلني منهم, فقال: ( سبقك بها عكاشة )

وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً أو سبع مئة ألف آخذ بعضهم ببعض حتى يدخل أولهم آخرهم الجنة, وجوههم على صورة القمر ليلة البدر)

فهذه هي الزمرة الأولى, وهم يدخلونها بغير حساب, والدليل عليه ما ثبت في الصحيحين والسياق لمسلم حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشام أخبرنا حصين بن عبدالرحمن قال: كنت عند سعيد بن جبير, فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة قلت: أنا ثم قلتُ: أما إني لم أكن في صلاة ولكني لُدغت, قال: فما صنعت؟  ــــ(26)

قلتُ: استرقيت, قال: فما حملك على ذلك ؟ قلتُ حديث حدثناه الشعبي, قال:وما حدثكم الشعبي ؟ قلتُ: حدثنا عن بُريدة بن حصيب الأسلمي أنه قال: لا رقية إلا من عين أو حُمة, فقال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع, ولكن حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عرضت عليَّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهط, والنبي ومعه الرجل والرجلان, والنبي وليس معه أحد, إذ رُفع لي سواد عظيم, فظننتُ أنهم أمتي, فقيل لي: هذا موسى وقومه, ولكن انظر إلى   الأفق, فنظرت فإذا سواد عظيم, فقيل لي: انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم, فقيل لي: هذه أمتك, ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب أو عقاب) ثم نهض فدخل منزله, فخاض الناس في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب, فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله, وذكروا أشياء, فخرج عليهم رسول الله فقال: ( ما الذي تخوضون فيه ؟ ) فأخبروه, فقال: ( هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون, وعلى ربهم يتوكلون, فقام عكاشة بن محصن فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم, فقال: ( أنت, مهم ) ثم قام رجل آخر فقال: ادعُ الله أن يجعلني منهم, فقال: سبقك بها عكاشة) وليس عند البخاري ( ولا يرقون )

قال شيخنا: وهو الصواب, وهذه اللفظة وقعت مقحمة في الحديث, وهو غلط من بعض الرواة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي استحق به هؤلاء دخول الجنة بغير حساب, هو تحقيق التوحيد وتجريده, فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم, ولا يتطيرون – والطيرة: نوع من الشرك- ويتوكلون على الله وحده لا على غيره, وتركهم الاسترقاء والتطير هو من تمام التوكل على الله كما في الحديث:  ــــ(27) 

 ( الطيرة شرك) قال ابن مسعود: وما منَّا إلا, ولكن الله يذهبه بالتوكل.

فالتوكل ينافي التطير, وأما رقية الغير فهي إحسان من الرَّاقي, وقد رقى رسول الله جبريلُ, وأذن في الرقا, وقال: ( لا بأس بها ما لم يكن فيها شرك) واستأذنوه فيها: فقال: ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه) وهذا يدل على أنها نفع وإحسان, وذلك مستحب مطلوب لله ورسوله, فالراقي محسن, والمسترقي سائل راجِ نفع الغير, وتحقيق التوكل ينافي ذلك.

فإن قيل: فعائشة قد رقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبريل قد رقاهُ.

قيل: أجل, ولكن هو لم يسترق, وهو صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا يرقيهم راقٍ, وإنما قال: لا يطلبون من أحد أن يرقيهم.

 

الباب السادس والثلاثون: في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها

قال الله تعالى: } لكن الذين اتقوا ربهم لهم غُرف من فوقها غُرف مبنية [ [الزمر:20] فأخبر تعالى أنها غرف فوق غرف, وأنها مبنية بناء حقيقة, لئلا تتوهم النفوس أن ذلك تمثيل, وأنه ليس هناك بناء, بل تتصور النفوس غرفاً مبنية كالعلالي بعضها فوق بعض, حتى كأنها تنظر إليها عياناً, و }مبنية[ صفة للغرف الأولى والثانية, أي لهم منازل مرتفعة, وفوقها منازل أرفع منها.

وقال تعالى: } أولئك يُجزون الغرفة بما صبروا [

والغرفة جنس كالجنة, وتأمل كيف جعل جزاءهم على هذه الأفعال المتضمنة للخضوع, والذل والاستكانة لله الغرفة, والتحية والسلام في مقابل صبرهم على سوء خطاب الجاهلين لهم, فبُدَّلوا بذلك سلام الله وملائكته عليهم.

ــــ(28)

وقال تعالى: } وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون [ [سبا:37] وقال تعالى: } يغفر لكم ذُنُوبكم  ويُدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن [ [الصف:12] وقال تعالى عن امرأة فرعون إنها قالت: } ربِ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة [  [التحريم:11]

وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة, طولها ستون ميلاً, للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن, فلا يرى بعضهم بعضاً) وفيهما من حديث عائشة رضي الله عنها أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: هذه خديجة أقرئها السلام من ربها, وأمره أن يُبشرها ببيت في الجنة من قصب, لا صخب فيه ولا نصب.

وفي الصحيحين من حديث حميد عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دخلتُ الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلتُ: لمن هذا القصر ؟ قالوا: لشاب من قريش, فظننتُ أني أنا هو, فقلتُ: ومن هو ؟ قالوا: لعمر بن الخطاب)

 

 

 

 

 

 

 

ــــ(29)

الباب التاسع والثلاثون: في ذكر صفة أهل الجنة في خَلقِهِم وخُلُقِهم وطولهم

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:خلق الله عز وجل آدم على صورته, طوله ستون ذراعاً, فلما خلقه قال له: اذهب فسلم على أولئك النفر – وهم نفر من الملائكة جلوس – فاستمع ما يحيونك, فإنها تحيتك وتحية ذريتك,  قال: فذهب فقال: السلام عليكم, فقالوا: السلام عليك ورحمة الله, فزادوه ورحمة الله, قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم, طوله ستون ذراعاً, فلم يزل ينقص الخلق بعدهُ حتى الآن ) متفق على صحته.

وأما الأخلاق فقد قال تعالى: } ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سُرُرٍ مُتقابلين [ [الحجر:47] فأخبر عن قلوبهم وتلاقي وجوههم, وفي الصحيحين: (أخلاقهم على خلق رجلٍ واحد, على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)

وأما أخلاقهم وقلوبهم ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أول زمرة تلج الجنة...لا اختلاف بينهم ولا تباغض, قلوبهم على قلب واحد, يسبحون الله بكرة وعشياً)

وكذلك وصف الله سبحانه وتعالى نسائهم بأنهم أتراب, أي: في سن واحدة, ليس فيهن العجائز والشواب.

الباب الأربعون:

في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم, وأعلاهم منزلة سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه

  قال تعالى: } تلك الرُسُلُ فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلَّم الله ورفع بعضهم درجاتٍ وآتينا عيسى ابن مريم البينات [ [البقرة:253]

ــــ(30)

قال مجاهد وغيره: } منهم من كلَّم الله [ : موسى, } ورفع بعضهم درجاتٍ [ هو محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي حديث الإسراء المتفق على صحته: أنه صلى الله عليه وسلم لما جاور موسى قال: ( رب لم أظن أن يُرفع عليَّ أحد ) ثم علا فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله, حتى جاوز سدرة المنتهى.

وفي صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول, ثم صلوا عليً, فإنه من صلي عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه عشراً, ثم سلوا لي الوسيلة, فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله, وأرجو أن أكون أنا هو, فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة )

وفي صحيح مسلم من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن موسى سأل ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة ؟ فقال: رجل يجيء بعدما دخل أهل الجنة الجنة, فيقال له: ادخل الجنة, فيقول: ربِّ كيف, وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم ؟ فيقل له: أترضى أن يكون لك مثل مِلكٍ من ملوك الدنيا, فيقول: رضيت رب, فيقول له: لك ذلك, ومثله, مثله, ومثله, ومثله, فقال في الخامسة: رضيت رب, فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله, ولك ما اشتهت نفسك ولذَّت, فيقول رضيت رب, قال: فأعلاهم منزلة ؟ قال: أولئك الذين أردت, غرست كرامتهم بيدي, وختمتُ عليها فلم تر عين, ولم تسمع أذن, ولم يخطر على قلب بشر) 

 

ــــ(31)

الباب الحادي والأربعون: في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها

روى مسلم في صحيحه من حديث ثوبان قال: كنتُ قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال: جئت أسالك, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ فقال أسمع بأذني فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه في الأرض فقال: سل؟ فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر قال: فمن أول الناس إجازة يوم القيامة ؟ قال: فقراء المهاجرين, قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال: زيادة كبد النون, قال: فما غذاؤهم على إثره ؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها, قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً قال: صدقت)   

الباب الثاني والأربعون: في ذكر ريح الجنة

في الصحيحين من حديث أنس قال: لم يشهد عمي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدراً قال: فشقَّ عليه قال: أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم غبتُ عنه, فإن أراني الله مشهداً فيما بعدُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أصنعُ, قال: فهاب أن يقول غيرها, قال: فشهد مع رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد, قال فاستقبل سعد بن معاذ فقال له: أين ؟ فقال: واهاً لريح الجنة أجده دون أحد, قال: فقاتلهم حتى قُتِلَ, قال: فوجد في جسده بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية, فقالت أخته عمَّة الربيع بن النضير: فما عرفت أخي إلا ببنانه, ونزلت هذه الآية: } من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [  [الأحزاب:23] قالوا: كانوا يرون أنها نزلت فيه وفي أصحابه.

ــــ(32)

الباب الثالث والأربعون: في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها

روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يُنادي منادٍ: إن لكم أن تصحُّوا فلا تسقموا أبداً, وأن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً, وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً وذلك قول الله عز وجل: ] ونُودوا أن تلكم الجنة أُورثتُموها بما كنتم تعملون [ [الأعراف:43]

وفي صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً فيقولون: ما هو؟ ألم يثقل موازينا ويبيض وجوهنا وينجينا من النار, فيكشف الحجاب فينظرون إلى الله, فوالله ما أعطاهم الله شيئاً هو أحبَّ إليهم من النظر إليه.

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة, فيقولون: لبيك ربنا وسعديك, فيقول: هل رضيتم ؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك, فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك, قالوا: ربنا وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال: أحلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً.)

وفي الصحيحين من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يدخل الله أهل الجنة الجنة, وأهل النار النار, ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت, ويا أهل النار لا موت, كل خالد فيما هو فيه)

 

 

ــــ(33)

الباب الرابع والأربعون: في أشجار الجنة, وبساتينها وظلالها

قال تعالى: ] وأصحاب اليمين ما أصحب اليمين * في سدر مخضُود * وطلحٍ منضُود * وظلٍ ممدود * وماءٍ مسكُوبٍ * وفاكهة كثيرة * لا مقطُوعة ولا ممنوعة [ [الوقعة:27-33]

وقال تعالى: ] ذواتآ أفنانٍ [ [الرحمن:48] وهو جمع فنن, وهو الغصن.

وقال: ] فيهما فاكهة ونخل ورمان { [الرحمن:68]

والمخضود: الذي خُضد شوكه, أي نُزع وقُطع, فلا شوك فيه.

وأما الطلحُ: فأكثر المفسرين قالوا: إنه شجر الموز.

وفي الصحيحين من حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن في الجنة شجرة يسير الراكبُ في ظلها مئة عام لا يقطعها فاقرؤوا إن شئتم ] وظلٍ ممدود  [[الواقعة:30]

الباب الخامس والأربعون: في ثمارها وتعدُّد أنواعها وصفاتها وريحانها

قال الله تعالى: ] وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار كُلما رُزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبلُ وأُتُوا به مُتشابهاً [  [البقرة:25]

وقولهم: ] هذا الذي رُزقنا من قبلُ [ أي شبيهه ونظيره لا عينه.

وأما قوله عز وجل: ] وأُوتُوا به مُتشابهاً [ فقالت طائفة: منهم ابن مسعود وابن عباس: متشابهاً في اللون والمرأى, وليس يشبه الطعمُ الطعمَ.  

وقال تعالى: ] جناتِ عدنٍ مُفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب [ [ص:50-51]

ــــ(34)

وقال تعالى: ] يدعُون فيها بكُل فاكهةٍ آمنين [ [الدخان:55]

وهذا يدلُّ على أمنهم من انقطاعها ومضرتها

وقال تعالى: ] وتلك الجنةُ التي أُورثتموها بما كنتم تعملون * لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون [ [الزخرف:72-73]

وقال تعالى: ] وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة [

أي لا تكون في وقتٍ دون وقتٍ, ولا تُمنع ممن أرادها.

وقال تعالى: ] فهو في عيشةٍ راضية * في جنةٍ عالية * قُطُوفها دانية [ [الحاقة:21-23]

والقطوف جمع قطف, وهو ما يُقطف, والقَطُف – بالفتح – الفعل, أي ثمارها دانية: قريبة ممن يتناولها فيأخذها كيف يشاء.

وقال تعالى: ] ودانية عليهم ظلالها وذُللت قُطُوفُها تذليلاً [ [الإنسان:14]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول ما يريد.

وقال غيره: قُربت إليهم مُذلله كيف شاؤوا, فهم يتناولوها قياماً وقعوداً ومضطجعين.

وقال تعالى: ] فيهما من كُلِ فاكهة زوجان [ [الرحمن:52] وفي الجنتين الأخريين:  ] فيهما فاكهة ونخل ورمان [ [الرحمن:68]

وخصَّ النخل والرُّمَّان من بين الفاكهة بالذكر لفضلهما وشرفهما, كما نصَّ على حدائق النخل والأعناب في سورة النبأ, إذا هما من أفضل أنواع الفاكهة, وأطيبها وأحلاها.

ــــ(35)

الباب السادس والأربعون: في زرع الجنة

قال تعالى: ] وفيها ما تشتهي الأنفُسُ وتلذُّ الأعين [ [الزخرف:71]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث – وعنده رجل من البادية- : ( أن رجلاً من أهل الجنة استأذن ربهُ عز وجل في الزرع فقال له: أولستَ فيما اشتهيت ؟ فقال: بلى, ولكن أحبُّ أن أزرع, فبادر الطرف نباته واستواؤُهُ واستحصاده وتكويره أمثال الجبال فيقول اللهُ عز وجل: دونك يا ابن آدم, فإنه لا يشبعك شيء, فقال الأعرابي: يا رسول الله لا نجدُ هذا إلا قرشياً أو أنصارياً, فإنهم أصحاب زرعٍ, فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه البخاري في كتاب التوحيد في باب كلام الرب تعالى مع أهل الجنة, وخرجه في غيره أيضاً.

وهذا يدلُّ على أن في الجنة زرعاً, وذلك البذر منه, وهذا أحسن أن تكون الأرض معمورة بالشجر والزرع.

 

 

 

 

 

 

 

ــــ(36)

الباب السابع والأربعون

في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها الذي تجري عليه

وقد تكرر في القرآن في عدة مواضع قوله تعالى: ] جناتٍ تجري من تحتها الأنهار [ [ البقرة: 25] وفي موضع: ] جناتٍ تجرى تحتها [ [ التوبة: 100]

وفي موضع: ] تجرى من  تحتهم الأنهار [ [ يونس:6]

وهذا  بدلُّ على أمور:

أحدها: وجود الأنهار فيها حقيقة.

الثاني: أنها جارية لا واقفة.

الثالث: أنها تحت غرفهم وقصورهم وبساتينهم, كما هو المعهود في أنهار الدنيا.

وقال تعالى: : ] مثلُ الجنة التي وُعد المُتقون فيها أنهار من ماءٍ غير أسن وأنهار من لبنٍ لم يتغير طعمُهُ وأنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهار من عسلٍ مُصفى ولهم فيها من كل الثمراتِ ومغفرة من ربهم [ [ محمد:15 ]

فذكر سبحانه هذه الأجناس الأربعة, ونفى عن كل واحدٍ منها الآفة التي تعرض له في الدنيا, فآفة الماء أن يأسن ويأجن من طول مكثه, وآفة اللبن أن يتغير طعمه إلى الحموضة, وأن يصير قارصاً, وآفة الخمر كراهة مذاقها المنافي للذة شربها, وآفة العسل عدم تصفيته.

وهذا من آيات الرب تعالى أن يُجري أنهاراً من أجناس لم تجر العادة في الدنيا بإجرائها, ويُجريها في غير أخدود, وينفي عنها الآفات التي تمنع كمال اللذة بها, كما نفى عن خمر الجنة جميع آفات خمر الدنيا من الصداع والغول واللغو والإنزاف وعدم اللذة.

ــــ(37)

وتأمل اجتماع هذه الأنهار الأربعة, التي هي أفضل أشربة الناس, فهذا لريهم وطهورهم, وهذا لقوتهم وغذائهم, وهذا للذاتهم وسرورهم, وهذا لشفائهم ومنفعتهم

وأنهار الجنة تنفجر من أعلاها ثم تنحدر نازلة إلى أقصى درجاتها, كما روى البخارى في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إن في الجنة مئة درجة أعدها الله عز وجل للمجاهدين في سبيله بين كل درجتين كما بين السماء والأرض, فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس, فإنه وسط الجنة, وأعلى الجنة, وفوقه عرشُ الجنة, ومنه تفجر أنهار الجنة)

وفي صحيح البخاري من حديث شعبة عن قتادة قال: أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة, نبقها مثل قلال هَجَر, وورقها مثل آذان الفيلة, ويخرج من أصلها نهران ظاهران, ونهران باطنان, فقلتُ: يا جبريل ما هذا ؟ قال: أما النهران الباطنان ففي الجنة, وأما النهران الظاهران, فالنيل والفرات.

وفي صحيحه أيضاً من حديث همام عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بينا أنا أسير في الجنة, إذا أنا بنهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف, فقلت: ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك, قال: فضرب الملك بيده, فإذا طينه أذفر.

وأما العيون: فقد قال تعالى: ] إن المتقين في جناتٍ وعيون [ [الذاريات:15]

وقال تعالى: ] إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافُوراً * عيناً يشربُ بها عباد الله يفجرونها تفجيراً [ [الإنسان: 5-6]

ــــ(38)

وقد اختلف في قوله: ] يشربُ بها [

فقال الكوفيون: الباء بمعنى مِن, أي يشرب منها.

وقال آخرون: بل الفعل مُضمَّن. ومعنى يشرب بها: أي يروى بها, فلما ضمنه معناه عدَّاه تعديته, وهذا أصح وألطف وأبلغ.

وقال تعالى: ]ويُسقون فيها كأساً كان مزاجُها زنجبيلاً *عيناً فيها تسمى سلسبيلا[ [ الإنسان:17-18 ]  فأخبر سبحانه عن العين التي يشرب بها المقربون صرفاً, وأن شراب الأبرار يمزج منها, لأن أولئك أخلصوا الأعمال كلها لله فأخلص شرابهم, وهؤلاء مزجوا فمزج شرابهم.

الباب الثامن والأربعون: في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه

 قال تعالى: ] وتلك الجنةُ التي أُورثتموها بما كنتم تعملون * لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون [ [الزخرف:72-73]

وقال تعالى}:مثل الجنة التي وُعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أُكلها دائم وظلُّها [ [الرعد:35]

وقال تعالى: ] وأمددناهم بفاكهة ولحمٍ مما يشتهون * يتنازعون فيها كأساً لا لغو فيها ولا تأثيم [ [الطور:22-23]

وفي صحيح مسلم من حديث أبي البير, عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( يأكل أهل الجنة ويشربون, ولا يمتخطون, ولا يتغوطون, ولا يبولون, طعامهم ذلك جشاء كريح المسك, يُلهمُون التسبيح والتكبير كما تُلهمون النفس)

 

ــــ(39)

الباب التاسع والأربعون

في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون, وأجناسها وصفاتها

قال تعالى: } يُطاف عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكوابٍ [ [الزخرف:71]

وقال تعالى: } ويُطاف عليهم بآنية من فضةٍ وأكوابٍ كانت قواريرا * قواريرا من فضةٍ قدروها تقديراً [ [الإنسان:15-16]

فالقوارير: هي الزجاج, فأخبر سبحانه وتعالى عن مادة تلك الآنية أنها من الفضة, وأنها بصفاء الزجاج وشفافته, وهذا من أحسن الأشياء وأعجبها, وقطع سبحانه توهُّم كون تلك القوارير من زجاج, فقال: } قواريرا من فضةٍ [ قال مجاهد وقتادة ومقاتل والكلبي والشعبي: قوارير الجنة من الفضة, فاجتمع لها بياض الفضة وصفاء القوارير.

وقوله: } قدروها تقديراً [ التقدير: جعل الشيء بقدر مخصوص, فقدرت الصُّناع هذه الآنية على قدر ريِّهم, لا يزيد عليه ولا ينقص منه, وهذا أبلغ في لذة الشارب, فلو نقص عن ريِّه لنقص التذاذه, ولو زاد حتى يُسئر منه حصل له ملالة وسآمة من الباقي.

وفي الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة, ولا تأكلوا في صحافها فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة)

 

 

 

ــــ(40)

الباب الخمسون

في ذكر لباسهم وحليتهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم

قال الله تعالى: } إن المتقين في مقام أمين * في جناتٍ وعيونٍ * يلبسون من سُنسدُُسٍ وإستبرقٍ مُتقابلين  [ [الدخان:51-53]

وقال الله تعالى } إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً * أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار يُحلون فيها من أساور من ذهبٍ ويلبسون ثياباً خُضراً من سُندُسٍ وإستبرق مُتكئين فيها على الأرائك [ [الكهف:30-31]

وأحسن الألوان الخضر, وألين الملابس الحرير, فجمع لهم بين حسن منظر اللباس, والتذاذ العين به, وبين نعومته والتذاذ الجسم به.

وقال تعالى: } إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يُحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير [ [الحج:23]

واختلفوا في جرِّ ( لؤلؤ ) ونصبه, فمن نصبه....ومن جره فهو عطف على الذهب, ثم يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون لهم أساور من ذهب وأساور من لؤلؤ.

ويحتمل أن تكون الأساور مركبة من الأمرين معاً: الذهب المرصَّعُ باللؤلؤ, والله أعلم بما أراد.

وفي الصحيحين من حديث البراء قال: أُهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوب حرير, فجعلوا يعجبون من لينه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعجبون من هذا. لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسنُ من هذا )

ــــ(41)

وأما الفرش: فقد قال تعالى: } مُتكئين على فرش بطائنها من إستبرق [ [الرحمن:54]و قال تعالى: } وفرش مرفوعة [ [الواقعة:34]

فوصفت الفرش بكونها مبطنة بالإستبرق, وهذا يدلُّ على أمرين:

أحدهما: أن ظهائرها أعلى وأحسن من بطائنها, لأن بطائنها للأرض, وظهائرها للجمال والزينة والمباشرة.

الثاني: يدلُّ على أنها فرش عالية لها سمك وحشو بين البطانة والظهارة.

وأما البُسط والزرابي فقد قال تعالى: }مُتكئين على رفرف خُضر وعبقري حسان[ [الرحمن:76] وقال تعالى: } فيها سُرُر مرفوعة * وأكواب موضوعة * ونمارق مصفوفة * وزرابي مبثوثة [ [الغاشية:13-16]

وعن الحسن في قوله تعالى: }مُتكئين على رفرف خُضر وعبقري حسان[ قال: هي البسط, قال: وأهل المدينة يقولون: هي البسط.

وأما النمارق: فقال الواحدي: هي الوسائد في قول الجميع

} وزرابي [ يعني: البسط, والطنافس

وأما الرفرف: فقال الليث: هو ضرب من الثياب خضر تبسط.

وأما العبقري: فقال أبو عبيدة: كل شيء من البُسُط عبقري

وتأمل كيف وصف سبحانه وتعالى الفُرش بأنها مرفوعة, والزرابي بأنها مبثوثة, والنمارق بأنها مصفوفة, فرفُعُ الفرش دال على سمكها ولينها, وبثُّ الزرابي دال على كثرتها, وأنها في كل موضع لا يختص بها صدر المجلس دون مؤخره وجوانبه, ووصف المساند يدلُّ على أنها مهيأة للاستناد دائماً, ليست مُخبأة تُصفُّ في وقتٍ دون وقتٍ, والله أعلم.

ــــ(42)

الباب الحادي والخمسون: في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم

قال الله تعالى: ] حُور مقصورات في الخيام [ [الرحمن:72] وفي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضاً )

وفي لفظ لهما: ( في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة, عرضها ستون ميلاً في كل زاوية منها أهل, ما يرون الآخرين, يطوف عليهم المؤمن)وفي لفظ آخر لهما أيضاً: (الخيمة دُرَّة طُولها في السماء ستون ميلاً, في كل زاوية منها أهل, لا يراهم الآخرون )

وهذه الخيام غير الغُرف والقصور, بل هي خيام في البساتين, وعلى شواطئ الأنهار.

وأما السرر: فقال تعالى: ] مُتكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحُور عين[ [الطور:20] وقال تعالى: ] ثُلة من الأولين * وقليل من الآخرين * على سرر موضونة * مُتكئين عليها مُتقابلين [ [الواقعة:13-16] وقال تعالى: ] فيها سُرُر مرفوعة [ [الغاشية:13] فأخبر تعالى عن سررهم بأنها مصفوفة بعضها إلى جانب بعض, ليس بعضها خلف بعض, ولا بعيداً من بعض, وأخبر بأنها موضونة....قالوا: موضونة: منسوجة بقضبان الذهب مشبكة بالدرِّ والياقوت والزبرجد.

وأما الأرائك: فهي أجمع أريكة, قال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: ]مُتكئين فيها على الأرائك[ [الكهف:31] قال: لا يكون أريكة حتى يكون السرير في الحجلة, قلتُ: هاهنا ثلاثة أشياء:

أحدها: السرير, الثاني: الحجلة, وهي البشخانة التي تعلق فوقه,

الثالث: الفراش الذي على السرير, ولا يسمى السرير أريكة حتى يجمع ذلك كله.

ــــ(43)

الباب الثاني والخمسون: في ذكر خدمهم وغلمانهم

قال الله تعالى: ]ويطوفُ عليهم ولدون مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً [ [الإنسان:19] وقال تعالى: ] يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكوابٍ وأباريق [ [الواقعة:17-18]

قال أبو عبيدة والفراء: مخلدون لا يهرمون, ولا يتغيرون, قال والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يشمط: إنه لمخلد وإذا لم تذهب أسنانه من الكبر, قيل: هو مخلد

قال ابن عباس: غلمان لا يموتون...وهذا قول مجاهد والكلبي ومقاتل, قالوا: لا يكبرون ولا يهرمون ولا يتغيرون.

وشبههم سبحانه باللؤلؤ المنثور, لما فيه من البياض وحسن الخلق, وفي كونه منثوراً فائدتان:إحداهما الدلالة على أنهم غير معطلين, بل مبثوثون في خدمتهم وحوائجهم.

والثاني: أن اللؤلؤ إذا كان منثوراً, ولا سيما على بساط من ذهب أو حرير, كان أحسن لمنظره وأبهى من كونه مجموعاً في مكان واحد.

والمكنون: المستور المصون الذي لم تبتذله الأيدي.

 

 

 

 

 

 

 

ــــ(44)

الباب الثالث والخمسون

في ذكر نسائهم وسراريهم, وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن الظاهر والباطن الذي وصفهن الله تعالى به في كتابه

قال الله تعالى: ] وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رُزقوا منها من ثمرة رِزقاً قالوا هذا الذي رُزقنا من قبل وأُتوا به متشابهاً ولهم فيها أزواج مُطهرة وهم فيها خالدون  [ [البقرة:25]

فتأمل جلالة المبشر ومنزلته وصدقة, وعظمة من أرسله إليك بهذه البشارة, وقدر ما بشرك به, وضمنه لك على أسهل شيءٍ عليك وأيسره, وجمع سبحانه في هذه البشارة بين نعيم البدن بالجنان, وما فيها من الأنهار والثمار, ونعيم النفس بالأزواج المطهرة, ونعيم القلب وقُرة العين بمعرفة دوام هذا العيش أبد الآباد, وعدم انقطاعه

والمطهرة: التي طُهِّرت من الحيض والبول والنفاس, والغائط والمخاط والبُصاق, وكل قذر,وكلِّ أذى يكون من نساء الدنيا, وطهر مع ذلك باطنها من الأخلاق السيئة والصفات المذمومة, وطهر لسانها من الفحش والبذاء, وطهر طرفها من أن تطمح به إلى غير زوجها, وطهرت أثوابها من أن يعرض لها دنس أو وسخ.

وقال تعالى: } إن المتقين في مقام أمين * في جنات وعيون * يلبسون من سُندُسٍ وإستبرق مُتقابلين * كذلك وزوجناهم بحُورٍ عين * يدعُون فيها بكل فاكهة آمنين * لا يذُوقُون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم [ [الدخان:51-56] والحور: جمع حوراء, وهي المرأة الشابة الحسناء الجميلة, البيضاء, شديدة سواد العين.

والعينُ: الصحيح: أن العِين اللاتي جمعت أعينهن صفات الحسن والملاحة.

ــــ(45)

فصل

قال تعالى: } فيهن قاصرت الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان* فبأي آلاء ربكما تُكذبان * كأنهن الياقوت والمرجان [ [الرحمن:56-58]

وصفهن سبحانه بِقِصرِ الطرف في ثلاثة مواضع: أحدها: هذا.

الثاني: قوله تعالى في الصافات: ] وعندهم قاصرات الطرف عين [ [آية:48]

والثالث: قوله تعالى في ص: ] وعندهم قاصرات الطرف أتراب[ [آية:52]

والمفسرون كلهم على أن المعنى: قَصَرن طرفهن على أزواجهن, فلا يطمحن إلى غيرهم, وقيل: قصرن طرف أزواجهن عليهن, فلا يدعهم حسنهنَّ وجمالهنَّ أن ينظروا إلى غيرهن.

وأما الأتراب: فجمع ترب...قال أبو عبيدة وأبو إسحاق: أقران, أسنانهن واحدة.

قال ابن عباس رضي الله عنهما وسائر المفسرين: مستويات على سن واحدة, وميلاد واحد, بنات ثلاث وثلاثين سنة )

قال مجاهد ( أتراب) : أمثال, قال أبو إسحاق: أي: هن في غاية الشباب والحُسن.

فصل

قال تعالى: ] فيهن خيرات حسان [ [الرحمن:70] فالخيرات جمع خَيرَةٍ, وحسان: جمع حسنة, فهن خيرات الصفات والأخلاق والشيم, حسان الوجوه.

وقال تعالى: ] إنا أنشأناهن إنشاء * فجعلهن أبكاراً * عُرباً أتراباً * لأصحاب اليمين [ [الواقعة:35-38] قال قتادة وسعيد بن جبير: خلقناهن خلقاً جديداً, وقال الكلبي ومقاتل: يعني نساء أهل الدنيا العجز الشمط, يقول تعالى: خلقناهن بعد الكبر والهرم, بعد الخلق الأول في الدنيا.

ــــ(46)

وقوله تعالى : ] عُرُباً [ جمع عروب, وهن المتحببات إلى أزواجهن.

ذكر المفسرون في تفسير العرب: أنهن العواشق المتحببات الغنجات الشكلات المتعشقات الغلمات المغنوجات, كل ذلك من ألفاظهم.

فجمع سبحانه وتعالى بين حُسن صورتها وحسن عشرتها, وهذا غاية ما يطلب من النساء, وبه تكمل لذة الرجل بهن, وفي قوله تعالى: } لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان [ [الرحمن:56] إعلام بكمال اللذة بهن, فإن لذة الرجل بالمرأة التي لم يطأها سواه, لها فضل على لذته بغيرها, وكذلك هي أيضاً.

فصل

وقال تعالى: ] إن للمتقين مفازاً * حدائق وأعناباً * وكواعب أتراباً [ [النبأ:31-33]

فالكواعب: جمع كاعب, وهي الناهد...والمراد أن ثديهن نواهد كالرمان ليست متدلية إلى أسفل, ويُسمين نواهد وكواعب.

فصل

روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها, ولقاب قوس أحدكم أو موضع قيده - يعني: سوطه –من الجنة خير من الدنيا وما فيها, ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينها ريحاً, ولأضاءت ما بينها, ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها.

 

 

ــــ(47)

الباب التاسع والخمسون:

في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضاً, وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا

قال الله تعالى: ] فأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون * قال قائل منهم إني كان لي قرين * يقول أإنك لمن المصدقين * أإذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أإنا لمدينون * قال هل أنتم مُطلعون * فاطلع فرآه في سواء الجحيم * قال تالله إن كدت لتُردين * ولولا نعمةُ ربي لكنتُ من المحضرين [ [الصافات:50-57]   

أخبر سبحانه وتعالى أن أهل الجنة أقبل بعضهم على بعض يتحدثون, ويسأل بعضهم بعضاً عن أحوال كانت في الدنيا, فأفضت بهم المحادثة والمذاكرة إلى أن قال قائل منهم: كان لي قرين في الدنيا ينكر البعث والدار الآخرة, ويقول ما حكاه الله عنه, يقول: ] أإنك لمن المصدقين [ بأنا نُبعث ونُجازي بأعمالنا, ونُحاسب بها بعد أن مزَّقنا البلى, وكُنَّا تُراباً وعظاماً, ثم يقول المؤمن لإخوانه في الجنة: هل أنتم مطلعون في النار لننظر منزلة قريني هذا وما صار إليه.

الباب الستون: في ذكر سوق الجنة وما أعدَّ الله تعالى فيه لأهلها

قال مسلم في صحيحه: حدثنا سعيد بن عبدالجبار الصيرفي, حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن في الجنة لسُوقاً يأتونها كلَّ جمعة, فتهبُّ ريح الشمال, فتحثو في وجوههم وثيابهم فيزدادون حُسناً وجمالاً, فيقول لهم أهلوهم: واللهُ لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً, فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً.

 

 

ــــ(48)

الباب الرابع والستون:

في أن في الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدورُ في الخلد, وأن موضع سوطٍ منها خير من الدنيا وما فيها

قال تعالى: ] تتجافي جُنُوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم يُنفقون * فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قُرةٍ أعين جزاء بما كانوا يعملون [ [السجدة:16-17]

وتأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاهُ لهم مما لا تعلمه نفس, وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حتى يقوموا إلى صلاة الليل بقُرة الأعين في الجنة.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قال الله عز وجل: أعددتُ لعبادي الصالحين, ما لا عين رأت, ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر, مصداق ذلك في كتاب الله تعالى: ] فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قُرةٍ أعين جزاء بما كانوا يعملون [  

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لقابُ قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب)

وكيف يُقدَّر قدر دار غرسها الله بيده, وجعلها مقراً لأحبابه, وملأها من كرامته ورحمته ورضوانه, ووصف نعيمها بالفوز العظيم, وملكها بالملك الكبير, وأودعها جميع الخير بحذافيره, وطهرها من كل عيب وآفة ونقص.

 

 

ــــ(49)

الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى وتجليه لهم ضاحكاُ إليهم

هذا الباب أشرف أبواب الكتاب,   وأجلها قدراً, وأعلاها خطراً, وأقرُّها لعيون أهل السنة والجماعة, وأشدُّها على أهل البدعة والفرقة, وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون, وتنافس فيها المتنافسون, وتسابق إليها المتسابقون, ولمثلها فليعمل العاملون, إذا ناله أهل الجنة نسوا ما فيه من النعيم, وحِرمانه والحجاب عنه لأهل الجحيم أشدُّ عليهم من عذاب الجحيم, اتفق عليها الأنبياء والمرسلون, وجميع الصحابة والتابعون, وأئمة الإسلام على تتابع القرون, وأنكرها أهل البدع المارقون, والجهمية المتهوكون, والفرعونية المبطلون, والباطنية الذين هم من جميع الأديان منسلخون, والرافضة الذين هم بحبائل الشيطان مُتمسَّكون, ومن حبل الله منقطعون, وعلى مسبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عاكفون, وللسنة وأهلها محاربون, ولكل عدو لله ورسوله ودينه مسالمون, وكل هؤلاء عن ربهم محجوبون, وعن بابه مطرودون, أولئك أحزاب الضلال, وشيعة اللعين, وأعداء الرسول وحزبه.   

قال تعالى: ] والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم * للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون[ [يونس:25-26] فالحسنى: الجنة, والزيادة: النظر إلى وجهه الكريم, كذلك فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن, والصحابة من بعده, كما روى مسلم في صحيحه من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن صهيب رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ] للذين أحسنوا الحسنى وزيادة [ قال: إذا دخل أهل الجنة ــــ(50)

الجنة, وأهل النار النار, نادى منادٍ: يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعداً يريدُ أن ينجزكموه, فيقولون: ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا, ويُبيّض وجوهنا, ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار ؟! فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئاً أحبَّ إليهم من النظر إليه, وهي الزيادة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن ناساً قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( هل تضارُّون في رؤية القمر ليلة البدر ؟ ) قالوا: لا يا رسول الله, قال: ( هل تضارُّون في رؤية الشمس ليس دونها سحاب ؟ ) قالوا: لا, قال: ( فإنكم ترونه كذلك )

وأما حديث جرير بن عبدالله: ففي الصحيحين من حديث إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم, عنه قال: كنا جوس مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة أربع عشرة فقال: ( إنكم سترون ربكم عيناً كما ترون هذا, لا تضامون في رؤيته, فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا, ثم قرأ: ] وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب[ [ق:39]

قال الأعمش وسعيد بن جبير: إن أشرف أهل الجنة لمن ينظر إلى الله تبارك وتعالى غدوةً وعشية.

 

 

 

 

 

ــــ(51)

الباب السادس والستون

في تكليمه سبحانه لأهل الجنة, وخطابه لهم ومحاضرته إياهم, وسلامه عليهم

قال تعالى: ] إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم[ [آل عمران:77]

وقال في حق الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات: ] ولا يكلمهم  الله يوم القيامة [ [البقرة:174]

فلو كان لا يكلم عباده المؤمنين, لكانوا في ذلك هم وأعداء الله سواء, ولم يكن في تخصيص أعدائه بأنه لا يكلمهم فائدة أصلاً.

وقد أخبر سبحانه أنه يسلِّمُ على أهل الجنة, وأن ذلك السلام حقيقة, وهو قول من رب رحيم, وتقدم تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية من حديث جابر في الرؤية, وأنه يشرف عليهم من فوقهم, ويقول: ( سلام عليكم يا أهل الجنة ) فيرونه عياناً, وفي هذا إثبات الرؤية والتكليم والعلو.

وتقدم حديث عدي بن حاتم: ( ما منكم إلا من سيكلمه ربه يوم القيامة )

وحديث بريدة(ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه ليس بينه وبينه ترجُمان ولا حجاب) فأفضل نعيم أهل الجنة رؤية وجهه تبارك وتعالى وتكليمه لهم, فإنكار ذلك لروح الجنة, وأعلى نعيمها وأفضله, الذي ما طابت لأهلها إلا به, والله المستعان.

ونختم هذا الكتاب بما ابتدأناه به أولاً, وهو خاتمة دعوى أهل الجنة, قال تعالى:] إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم* دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وأخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين { [يونس:9-10]

ــــ(52)

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

المقدمة

   3

الباب الأول: في بيان وجود الجنة

   4  

الباب التاسع: في ذكر عدد أبواب الجنة

   6

الباب العاشر: في ذكر سعة أبوابها

   10

الباب الثالث عشر: في مكان الجنة وأين هي ؟

   10  

الباب الرابع عشر: في مفتاح الجنة

   11

الباب السابع عشر: في درجات الجنة

   13

الباب الثامن عشر: في ذكر أعلى درجاتها واسم تلك الدرجة

   14  

الباب التاسع عشر :في عرض الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع بين المؤمنين وربهم

   15

الباب العشرون : في طلب أهل الجنة لها من ربهم, وطلبهم لهم, وشفاعتهم فيهم إلى ربها عز وجل

   18

الباب الحادي والعشرون: في أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقها

   19

الباب الثاني والعشرون: في عدد الجنات, وأنها نوعان: جنتان من ذهب, وجنتان من فضة

   21

الباب السادس والعشرون: في ذكر أول الأمم دخولاً الجنة

   21

الباب السابع والعشرون: في ذكر السابقين من هذه الأمة إلى الجنة

   22

ــــ(53)

الباب الثامن والعشرون: في سبق الفقراء للأغنياء إلى الجنة

   23   

الباب التاسع والعشرون: في ذكر أصناف أهل الجنة الذين ضمنت لهم دون غيرهم

   24

الباب الثلاثون: في أن أكثر أهل الجنة هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم

   26

الباب الثاني والثلاثون فيمن يدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب وذكر أوصافهم

   26  

الباب السادس والثلاثون: في ذكر غرفها وقصورها ومقاصيرها وخيامها

   28

الباب التاسع والثلاثون: في ذكر صفة أهل الجنة في خَلقِهِم وخُلُقِهم وطولهم

   30

الباب الأربعون: في ذكر أعلى أهل الجنة منزلة وأدناهم, وأعلاهم منزلة سيد ولد آدم صلوات الله وسلامه عليه

   30

الباب الحادي والأربعون: في تحفة أهل الجنة إذا دخلوها

   32

الباب الثاني والأربعون: في ذكر ريح الجنة

   32

الباب الثالث والأربعون: في الأذان الذي يؤذن به مؤذن الجنة فيها

   33

الباب الرابع والأربعون: في أشجار الجنة, وبساتينها وظلالها

   34  

الباب الخامس والأربعون: في ثمارها وتعدُّد أنواعها وصفاتها وريحانها

   34

الباب السادس والأربعون: في زرع الجنة

   36

ــــ(54)

الباب السابع والأربعون: في ذكر أنهار الجنة وعيونها وأصنافها ومجراها الذي تجري عليه

    37 

الباب الثامن والأربعون: في ذكر طعام أهل الجنة وشرابهم ومصرفه

   39

الباب التاسع والأربعون: في ذكر آنيتهم التي يأكلون فيها ويشربون, وأجناسها وصفاتها

   40

الباب الخمسون: في ذكر لباسهم وحليتهم ومناديلهم وفرشهم وبسطهم ووسائدهم ونمارقهم وزرابيهم

   41

الباب الحادي والخمسون: في ذكر خيامهم وسررهم وأرائكهم وبشخاناتهم

   43

الباب الثاني والخمسون: في ذكر خدمهم وغلمانهم

   44

الباب الثالث والخمسون: في ذكر نسائهم وسراريهم, وأصنافهن وحسنهن وأوصافهن وجمالهن الظاهر والباطن

  45

الباب التاسع والخمسون: في زيارة أهل الجنة بعضهم بعضاً, وتذاكرهم ما كان بينهم في الدنيا

   48

الباب الستون: في ذكر سوق الجنة وما أعدَّ الله تعالى فيه لأهلها

   48  

الباب الرابع والستون: في أن في الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدورُ في الخلد, وأن موضع سوطٍ منها خير من الدنيا وما فيها

   49

الباب الخامس والستون: في رؤيتهم ربهم تبارك وتعالى وتجليه لهم ضاحكاُ إليهم

   50

ــــ(55)

الباب السادس والستون: في تكليمه سبحانه لأهل الجنة, وخطابه لهم ومحاضرته إياهم, وسلامه عليهم

   52  

الفهرس

   53

 ـــ(56)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال وجواب في الطلاق محدث

7. الجزء السابع من سؤال وجواب في الطلاق   زيادة يوم 27-7-2021   *******   ج   7. اضافة أخري من ص 142.الردود ص 16. س53. ترقيم س1...