1567- باب في القيامة
2460- حَدّثنا هَنّادٌ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عن خَيْثَمَةَ، عن عَدِيّ بنِ حَاتِمٍ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلاّ سَيُكَلّمُهُ رَبّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى شَيْئاً إِلاّ شَيْئاً قَدَمَهُ، ثُمّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى شَيْئاً إِلاّ شَيْئاً قَدّمَهُ، ثُمّ يَنْظُرُ تِلْقَاءِ وَجْهِهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النّارُ".
قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقِيَ وَجهَهُ حرّ النّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ".
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
- حدّثنا أَبُو السّائِبِ، أخبرنا وَكِيعٌ يَوْماً بِهَذَا الْحَدِيثِ عن الأَعْمَشِ. فَلَمّا فَرَغَ وكِيعٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قال: مَنْ كَانَ هَهُنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ فَلْيَحْتَسِبْ في إِظْهَارِ هَذَا الْحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ.
قال أبو عيسى: لأنّ الْجَهْمِيّةَ يُنْكِرونَ هَذَا. اسم أَبي السائب سلم بن جنادة بن خالد بن جابر بن سمرة الكوفي. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2461- حدّثنا حُمَيْدُ بنُ مَسْعَدَةَ، حدثنا حُصَيْنُ بنُ نُمَيْرٍ أَبُو مُحْصنٍ، أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بنُ قَيْسٍ الرّحَبِي، أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ عن ابنِ عُمَرَ، عن ابنِ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لاَ تَزُولُ قَدَمَ ابنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبّه حَتّى يُسْأَلَ عن خَمْسٍ: عن عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وعن شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم إِلاّ مِنْ حَدِيثِ الحُسَيْنِ بنِ قَيْسٍ. وَحُسَيْنُ بن قَيْس يُضَعّفُ في الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ. وفي البابِ عن أَبي بَرْزَةَ وَأَبي سَعِيدٍ.
2462- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرّحْمَن، أخبرنا الأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بنِ عَيّاشٍ، عن الأَعْمَشِ، عن سَعِيدِ بنِ عَبْدِ الله بنِ جُرَيْجٍ، عن أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعن عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وعن مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفيمَ أَنْفَقَهُ، وعن جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ".
قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَسَعِيدُ بنُ عَبْدِ الله بنُ جُرَيْجٍ هُوَ بصري وهو مَوْلَى أَبي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ، وَأَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيّ اسْمُهُ: نَضْلَهُ بنُ عُبَيْدٍ.
قوله: (ما منكم من رجل) من مزيدة لاستغراق النفي والخطاب للمؤمنين (إلا سيكلمه ربه) أي بلا واسطة والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال (وليس بينه وبينه) أي بين الرب والعبد (ترجمان) بفتح الفوقية وسكون الراء وضم الجيم وكزعفران على ما في القاموس أي مفسر للكلام بلغة عن لغة يقال ترجمت عنه والفعل يدل على أصالة التاء. وفي التهذيب: التاء أصلية وليست بزائدة والكلمة رباعية (ثم ينظر) أي ذلك العبد أيمن منه أي من ذلك الموقف، وقيل ضمير منه راجع إلى العبد والمال واحد والمعنى ينظر في الجانب الذي على يمينه (فلا يرى شيئاً إلا شيئاً قدمه) أي من عمله الصالح. وفي المشكاة: فلا يرى إلا ما قدم من عمله (ثم ينظر أشأم منه) أي في الجانب الذي في شماله (فلا يرى شيئاً إلا شيئاً قدمه) أي من عمله السيء وإن النصب في أيمن وأشأم على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال. فقيل نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يميناً وشمالاً يطلب الغوث.
قال الحافظ: ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقة يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار فلا يرى إلا ما يفضي به إلى النار (ثم ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار) قال ابن هبيرة والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها، إذ لا بد له من المرور على الصراط (ولو بشق تمرة) أي ولو بمقدار نصفها أو ببعضها. والمعنى: ولو بشيء يسير منها أو من غيرها. وفي رواية البخاري: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة.
قال الحافظ: أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير.
قوله: (حدثنا أبو السائب) اسمه سلم بن جنادة بن سلم السوائي بضم المهملة بالكوفي ثقة ربما خالف من العاشرة (فليحتسب) أي فليطلب الثواب من الله تعالى (في إظهار هذا الحديث بخراسان) إنما خص وكيع بإظهار هذا الحديث بخراسان لأنه كان فيها الجهمية النافون لصفات الله تعالى (لأن الجهمية ينكرون هذا) أي كلام الله تعالى. قال الكرماني: الجهمية فرقة من المبتدعة ينتسبون إلى جهم بن صفوان مقدم الطائفة القائلة: أن لا قدرة للعبد أصلاً وهم الجبرية بفتح الجيم وسكون الموحدة، ومات مقتولاً في زمن هشام بن عبد الملك انتهى.
قال الحافظ: وليس الذي أنكروه على الجهمية مذهب الجبر خاصة، وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسببه إنكار الصفات حتى قالوا إن القرآن ليس كلام الله وإنه مخلوق.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
- قوله: (حدثنا حصين بن نمير أبو محصن) الواسطي الضرير كوفي الأصل لا بأس به رمى بالنصب من الثامنة (أخبرنا حسين بن قيس الرحبي) أبو علي الواسطي لقيه حنش بفتح المهملة والنون ثم معجمة، متروك من السادسة.
قوله: (حتى يسأل عن خمس) قال الطيبي رحمه الله أنثه بتأويل الخصال (عن عمره) بضمتين ويسكن الميم أي عن مدة أجله (فيما أفناه) أي صرفه (وعن شبابه) أي قوته في وسط عمره (فيما أبلاه) أي ضيعه، وفيه تخصيص بعد تعميم وإشارة إلى المسامحة في طرفيه من حال صغره وكبر. وقال الطيبي فإن قلت هذا داخل في الخصلة الأولى فما وجهه؟ قلت المراد سؤاله عن قوته وزمانه الذي يتمكن منه على أقوى العبادة (وعن ماله من أين اكتسبه) أي أمن حرام أو حلال؟ (وفيما أنفقه) أي طاعة أو معصية (وماذا عمل فيما علم) قال القاري: لعل العدول عن الأسلوب للتفنن في العبارة المؤدية للمطلوب. وقال الطيبي: إنما غير السؤال في الخصلة الخامسة حيث لم يقل: وعن عمله ماذا عمل به. لأنها أهم شيء وأولاه وفيه إيذان بأن العلم مقدمة العمل وهو لا تعتد به لولا العمل انتهى.
قوله: (هذا حديث غريب) وضعيف لأن في سنده حسين بن قيس وهو متروك كما عرفت وضعفه الترمذي أيضاً.
قوله: (وفي الباب عن أبي برزة وأبي سعيد) أما حديث أبي برزة فأخرجه الترمذي في هذا الباب. وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البيهقي في كتاب البعث والنشور كذا في المشكاة.
- قوله: (حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن) هو الدارمي صاحب المسند (أخبرنا الأسود بن عامر) الشامي نزيل بغداد يكنى أبا عبد الرحمن، ويلقب شاذان ثقة من التاسعة.
قوله: (وعن جسمه فيم أبلاه) كأنه من بلي الثوب وأبلاه كان الشباب في قوته كالثوب الجديد فلما ولى الشباب وضعف البدن فكأنما بلي.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) ذكره المنذري في الترغيب وأقر تصحيح الترمذي (هو مولى أبي برزة الأسلمي) قال في التقريب: سعيد بن عبد الله بن جريج بجيمين وراء مصغراً بصري صدوق ربما وهم من الخامسة (وأبو برزة الأسلمي اسمه ضلة بن عبيد) صحابي مشهور بكنيته أسلم قبل الفتح وغزا سبع غزوات ثم نزل البصرة وغزا خراسان ومات بها سنة خمس وستين على الصحيح.
1568- باب ما جَاءَ في شان الحساب والقصاص
2463- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمدٍ، عن العلاءِ بنِ عَبْدِ الرّحْمَن، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "أَتَدْرُونَ مَنْ المُفْلِسُ؟" قالُوا المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ الله من لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "المُفْلِسُ مِنْ أَمّتِي مَنْ يَأتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةِ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَد شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فيقعُدُ فَيَقْتَصّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصّ عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمّ طُرِحَ في النّارِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2464- حدّثنا هَنّادٌ وَنَصْرُ بنُ عَبْدِ الرحمنِ الكُوفِيّ قالاَ: أَخْبَرَنَا المُحَارِبِيّ، عن أَبي خَالِدٍ يَزِيدَ بنِ عَبْدِ الرّحمنِ، عن زَيْدِ بنِ أَبي أُنَيْسَةَ، عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قال: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "رَحِمَ الله عَبْداً كَانَتْ لأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ فِي عِرْضٍ أَو مَالٍ، فَجَاءَهُ فاسْتَحَلّهُ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ وَلَيْسَ ثَمّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، فَإِنْ كانَتْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ حَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيّئَاتِهِمْ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريب من حديث سعيد المَقْبُرِيّ. وقد رَوَاه مَالِكُ بنُ أَنَسٍ، عن سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
2465- حدّثنا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحمّدٍ، عن العَلاَءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ، عن أَبِيهِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لَتُؤَدّنّ الْحُقُوق إِلَى أَهْلِهَا حَتّى تُقَادَ الشّاةُ الْجَلحَاءُ مِنَ الشّاةِ القَرْنَاءِ". وَفي البَابِ، عن أَبي ذَرّ وَعَبْدِ الله بنِ أُنَيْسٍ.
قال أبو عيسى: حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
- قوله: (أتدرون) أي أتعلمون وهذا سؤال إرشاد لا استعلام. ولذلك قال: إن المفلس كذا وكذا (فينا) أي فيما بيننا (من لا درهم) أي من نقد (له) أي ملكاً (ولا متاع) أي مما يحصل به النقد ويتمتع به من الأقمشة والعقار والجواهر والعبيد والمواشي وأمثال ذلك. والحاصل أنهم أجابوا بما عندهم من العلم بحسب عرف أهل الدنيا كما يدل عليه قولهم "فينا" غفلوا عن أمر الاَخرة وكان حقهم أن يقولوا: الله ورسوله أعلم. لأن المعنى الذي ذكروه كان واضحاً عنده صلى الله عليه وسلم (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المفلس) أي الحقيقي أو المفلس في الاَخرة (من أمتي) أي أمة الإجابة ولو كان غنياً في الدنيا بالدرهم والمتاع {من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة} أي مقبولات والباء للتعدية أي مصحوباً بها (ويأتي) أي ويحضر أيضاً (قد شتم هذا) أي حال كونه قد شتم هذا (وقذف هذا) أي بالزنا ونحوه (وأكل مال هذا) أي بالباطل (وسفك دم هذا) أي أراق دم هذا بغير حق (وضرب هذا) أي من غير استحقاق أو زيادة على ما يستحقه والمعنى جمع بين تلك العبادات وهذه السيئات (فيقعد) أي المفلس (فيقتص هذا من حسناته) أي يأخذ هذا من حسناته قصاصاً. قال النووي: يعني حقيقة المفلس هذا الذي ذكرت. وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلساً وليس هذا حقيقة المفلس، لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته، وربما انقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته بخلاف ذلك المفلس فإنه يهلك الهلاك التام. قال المازري: زعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض بقوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) وهو باطل وجهالة بينه، لأنه إنما عوقب بفعله ووزره فتوجهت عليه حقوق لغرمائه فدفعت إليهم من حسناته فلما فرغت حسناته، أخذ من سيئات خصومه فوضعت عليه. فحقيقة العقوبة مسبة عن ظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه انتهى.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
قوله: (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم الهمزة وفتح النون مصغراً الغنوي، أبي أسامة الجزري، ثقة من السادسة.
- قوله: (كانت لأخيه) أي في الدين (عنده مظلمة) بكسر اللام ويفتح اسم ما أخذه الظالم أو تعرض له (في عرض) بكسر العين هو موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره. وقيل هو جانبه الذي يصونه من نفسه ونسبه وحسبه ويحامي عنه أن ينتقص ويثلب. وقيل نفسه وبدنه لا غير (فجاءه) أي جاء الظالم المظلوم (فاستحله). قال في النهاية: يقال تحللته واستحللته إذا سألته أن يجعلك في حل (قيل أن يؤخذ) قال المناوي. أي تقبض روحه (وليس ثم) أي هناك يعني في القيامة (دينار ولا درهم) يقضي به (فإن كانت له حسنات أخذ من حسناته) أي فيوفي منها لصاحب الحق (وإن لم تكن له حسنات) أو لم تف بما عليه (حملوا عليه من سيئاتهم) أي ألقي أصحاب الحقوق من ذنوبهم بقدر حقوقهم ثم يقذف في النار.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه البخاري.
- قوله: (لتؤدن) بفتح الدال المشددة. قال التوربشتي: هو على بناء المجهول والحقوق مرفوع، هذه هي الرواية المعتد بها، ويزعم بعضهم ضم الدال ونصب الحقوق والفعل مسند إلى الجماعة الذين خوطبوا به والصحيح ما قدمناه انتهى (حتى تقاد الشاة الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها (من الشاة القرناء) أي التي لها قرن. قال النووي: الجلحاء بالمد هي الجماء التي لا قرن لها والقرناء ضدها وهذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها كما يعاد أهل التكليف من الاَدميين والأطفال والمجانين ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة قال تعالى جل جلاله ولا إله غيره (وإذا الوحوش حشرت) وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره شرع ولا عقل، وجب حمله على ظاهره. قالوا: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب. وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس من قصاص التكليف بل هو قصاص مقابلة انتهى.
قوله: (وفي الباب عن أبي ذر وعبد الله بن أنيس) أخرج حديثهما أحمد في مسنده.
قوله: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
1569- باب
2466- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرِ، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا عَبْدُ الرحمنِ بنُ يَزِيدَ بنِ جَابِرٍ، حدثني سُلَيمُ بنُ عَامِرٍ، أخبرنا المِقْدَادُ صَاحِبُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا كانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أُدْنِيَتِ الشّمْسُ مِنَ العِبَادِ حَتّى يَكُونَ قِيدَ مَيْلٍ أَوْ اثْنَيْنِ"، قالَ سُلَيْمُ بنُ عَامِرٍ: لاَ أَدْرِي أَيّ المَيلَيْنِ عَنَى أَمَسَافَةُ الأَرْضِ أَمْ المَيْلُ الذِي تكتمل بِهِ الْعَيْنُ؟ قالَ: "فَتَصْهَرْهُمْ الشّمْسُ فَيَكُونُونَ فِي الْعَرَقِ بِقَدْرِ أَعْمَالِهِمْ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى عَقِبِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقُوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَاماً". فَرَأَيْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ، أَيْ يُلْجِمهُ إِلْجَاماً.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وفي البَابِ، عن أَبي سَعِيدٍ، وَابنِ عُمَرَ.
2467- حدّثنا أَبُو زَكَرِيّا يَحْيَى بن دُرُسْتَ البَصَرِيّ، حدثنا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عن أَيّوبَ، عن نَافِعٍ، عن ابنِ عُمَرَ. قَالَ حَمّادُ وَهُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ {يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ العَالَمِينَ} قالَ: "يَقُومُونَ في الرّشْحِ إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
2468- حدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا عِيسَ بنُ يُونُسَ، عَنْ ابنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابنِ عُمَر، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
- قوله: (حدثني سليم) بالتصغير (بن عامر) الكلاعي ويقال الخبائري بخاء معجمة وموحدة أبو يحيى الحمصي، ثقة من الثالثة غلط من قال إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم (أخبرنا المقداد) بن عمرو بن ثعلبة البهراني ثم الكندي ثم الزهري صحابي مشهور من السابقين.
قوله: (أدنيت) بصيغة المجهول من الإدناء أي قربت (الشمس) أي جرمها (حتى يكون) وفي رواية مسلم حتى تكون بالتأنيث وهو الظاهر (قيد ميل) بكسر القاف أي قدر ميل. وفي رواية مسلم كمقدار ميل (أو اثنتين) والظاهر أنه شك من الراوي أي أو ميلين (لا أدري أي الميلين عني) أي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الشيخ عبد الحق في اللمعات: الظاهر أن المراد ميل الفرسخ وكفى ذلك في تعذيبم وإيذائهم. وأما احتمال إرادة ميل المكحلة فبعيد (فتصهرهم الشمس) أي تذيبهم من الصهر وهو الإذابة، من فتح يفتح (ومنهم من يأخذه إلى حقويه) الحقو الخصر ومشد الإزار (ومنهم من يلجمه إلجاماً) الإلجام: إدخال اللجام في الفم. والمعنى يصل العرق إلى فمه فيمنعه من الكلام كاللجام كذا في المجمع. قال ابن الملك: إن قلت إذا كان العرق كالبحر يلجم البعض فكيف يصل إلى كعب الاَخر؟ قلنا: يجوز أن يخلق الله تعالى ارتفاعاً في الأرض تحت أقدام البعض، أو يقال يمسك الله تعالى عرق كل إنسان بحسب عمله فلا يصل إلى غيره منه شيء كما أمسك جرية البحر لموسى عليه الصلاة والسلام. قال القاري: المعتمد هو القول الأخير فإن أمر الاَخرة كله على وفق خرق العادة. أما ترى أن شخصين في قبر واحد يعذب أحدهما وينعم الاَخر ولا يدري أحدهما عن غيره انتهى. وقال القاضي: يحتمل أن المراد عرق نفسه وعرق غيره، ويحتمل عرق نفسه خاصة. وسبب كثرة العرق تراكم الأهوال ودنو الشمس من رؤوسهم وزحمة بعضهم بعضاً.
قوله: (وفي الباب عن أَبي سعيد وابن عمر) أما حديث أَبي سعيد، فلينظر من أَخرجه. وأما حديث ابن عمر فاخرجه مسلم.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) واخرجه احمد ومسلم.
- قوله: (حدثنا أبو زكريا يحيى بن درست) بضمتين وسكون المهملة ابن زياد ثقة من العاشرة.
قوله: (قال حماد وهن عندنا مرفوع) يعني أن هذا الحديث ليس بمرفوع صريحاً لكنه مرفوع حكماً (يوم يقوم الناس) أي من قبورهم (لرب العالمين) أي لأجل أمره وحسابه وجزائه (قال يقومون في الرشح) وفي رواية مسلم: يقوم أحدهم في رشحه. قال في النهاية: الرشح العرق لأنه يخرج من البدن شيئاً فشيئاً كما يرشح الإناء المتخلخل الأجزاء (إلى أنصاف آذانهم) وفي رواية لمسلم. حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه مسلم.
1570- باب مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحشْر
الحشر جمع والمراد به حشر الأموات من قبورهم وغيرها بعد البعث جميعاً إلى الموقف قال الله تعالى {وحشرناهم فلم نغادر منهم} أحداً
2469- حَدّثنا محمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو أَحْمَدَ الزّبَيْرِيّ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ المُغِيرَةِ بنِ النّعْمَانِ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ ابنِ عَبّاسِ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُحْشَرُ النّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً كَمَا خُلِقُوا، ثُمّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلينَ} وَأَوَلُ مَنْ يُكْسَى مِنَ الْخلاَئِقِ إِبْرَاهِيمُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ أَصْحَابِي بِرِجَالٍ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشّمَالِ، فَأَقُولُ يَا رَبّ أَصْحَابيْ فَيُقَالُ: إِنّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحدَثُوا بَعْدَكَ إِنّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ العَبْدُ الصّالِحُ: {إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنَهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
2470- حدّثنا مُحمدُ بنُ بَشّارٍ وَمُحمّدُ بنُ المُثَنّى، قَالاَ أَخْبَرَنَا مُحمّدُ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ المُغِيرَةِ بنِ النّعْمَانِ بهذا الإِسناد فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
2471- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، أخبرنا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، أخبرنا بَهْزُ بنُ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدّهِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنّكُمْ محْشَرُونَ رِجَالاً وَرُكْبَاناً وَتُجَرّونَ عَلَى وُجُوهِكُم" وَفِي البَابِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صحيح.
- قوله: (عن المغيرة بن النعمان) النخعي الكوفي ثقة من السادسة. قوله (يحشر الناس) أي يبعثون (حفاة) بضم الحاء جمع حاف وهو الذي لا نعل له ولا خف (عراة) بضم العين المهملة جمع عار وهو من لا ستر له. قال البيهقي: وقع في حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه أبو داود وصححه ابن حبان أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها وقال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها، ويجمع بينها بأن بعضهم يحشر عارياً، وبعضهم كاسياً، أو يحشرون كلهم عراة ثم يكسى الأنبياء فأول من يكسى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أو يخرجون من القبور بالثياب التي ماتوا فيها ثم تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر فيحشرون عراة ثم يكون أول من يكسى إبراهيم. وحمل بعضهم حديث أبي سعيد على الشهداء لأنهم الذين أمر أن يزملوا في ثيابهم ويدفنوا فيها، فيحتمل أن يكون أبو سعيد سمعه في الشهيد فحمله على العموم. وممن حمله على عمومه معاذ بن جبل. فأخرج ابن أبي الدنيا بسند حسن عن عمرو بن الأسود قال: دفنا أم معاذ بن جبل فأمر بها فكفنت في ثياب جدد وقال: أحسنوا أكفان موتاكم فإنهم يحشرون فيها. قال وحمله بعض أهل العلم على العمل وإطلاق الثياب على العمل وقع في مثل قوله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) وقوله تعالى: (وثيابك فطهر) على أحد الأقوال وهو قول قتادة. قال معناه: وعملك فأخلصه ويؤكد ذلك حديث جابر رفعه: يبعث كل عبد على ما مات عليه أخرجه مسلم ورجح القرطبي الحمل على ظاهر الخبر ويتأيد بقوله تعالى: (ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة) وقوله تعالى. (كما بدأكم تعودون) وألى ذلك الإشارة في حديث الباب (كما بدأنا أول خلق نعيده) عقب قوله حفاة عراة قال: فيحمل ما دل عليه حديث أبي سعيد على الشهداء لأنهم يدفنون بثيابهم فيبعثون فيها تمييزاً لهم عن غيرهم وقد نقله ابن عبد البر عن أكثر العلماء كذا في الفتح (غرلا) بضم المعجمة وسكون الراء جمع أغرل وهو الأقلف وزنه ومعناه وهو من بقيت غرلته وهي الجلدة التي يقطعها الخاتن من الذكر (ثم قرأ) أي استشهاداً واعتضاداً (كما بدأنا أول خلق نعيده) الكاف متعلق بمحذوق دل عليه نعيده أي نعيد الخلق إعادة مثل الأول. والمعنى بدأناهم في بطون أمهاتهم حفاة عراة غرلا كذا نعيدهم يوم القيامة (وعداً علينا) أي لازما لا يجوز الخلف فيه (أنا كنا فاعلين) أي ما وعدناه وأخبرنا به لا محالة (وأول من يكسى من الخلائق إبراهيم) قال القرطبي في شرح مسلم: يجوز أن يراد بالخلائق من عدا نبينا صلى الله عليه وسلم فلم يدخل هو في عموم خطاب نفسه. وتعقبه تلميذه القرطبي أيضاً في التذكرة فقال: هذا حسن لولا ما جاء من حديث علي، يعني الذي أخرجه ابن المبارك في الزهد من طريق عبد الله بن الحارث عن علي قال: أول من يكسى يوم القيامة خليل الله عليه السلام قبطيتين، ثم يكسى محمد صلى الله عليه وسلم حلة حيرة عن يمين العرش.
قال الحافظ: كذا ورد مختصراً موقوفاً. وأخرجه أبو يعلي مطلولا مرفوعاً. وأخرج البيهقي من طريق ابن عباس نحو حديث الباب وزاد: وأول من يكسى من الجنة إبراهيم يكسى حلة من الجنة، ويؤتى بكرسي فيطرح عن يمين العرش، ثم يؤتى بي فأكسى حلة من الجنة لا يقوم لها البشر. ثم يؤتى بكرسي فيطرح على ساق العرش، وهو عن يمين العرش. وفي مرسل عبيد بن عمير عند جعفر الفريابي: يحشر الناس حفاة عراة، فيقول الله تعالى: أرى خليلي عرياناً فيكسى إبراهيم ثوباً أبيض، فهو أول من يكسى قيل الحكمة في كون إبراهيم أول من يكسى أنه جرد حين ألقي في النار. وقيل لأنه أول من استن التستر بالسراويل. وقد أخرج ابن مندة من حديث حيدة رفعه قال: أول من يكسى إبراهيم يقول الله أكسو خليلي ليعلم الناس اليوم فضله عليهم.
قال الحافظ: لا يلزم من تخصيص إبراهيم عليه السلام بأنه أول من يكسى أن يكون أفضل من نبينا عليه الصلاة والسلام مطلقاً انتهى (ويؤخذ من أصحابي برجال ذات اليمين وذات الشمال) أي إلى جانب اليمين وإلى جانب الشمال، قال الحافظ: وبين في حديث أنس الموضع ولفظه: ليردن عليّ ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني الحديث. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم: ليذادن رجال عن حوض كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم (فأقول يا رب أصحابي) أي هؤلاء أصحابي. ولأحمد والطبراني من حديث أبي بكرة رفعه: ليردن على الحوض رجال ممن صحبن ورآني. وسنده حسن. وللطبراني من حديث أبي الدرداء نحوه قاله الحافظ (إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم) هذا بيان لقوله: ما أحدثوا بعدك. قال النووي: هذا مما أختلف العلماء في المراد على أقوال.
أحدها: أن المراد به المنافقون والمرتدون فيجوز أن يحشروا بالغرة والتحجيل فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم للسيما التي عليهم فيقال ليس هؤلاء ممن وعدت بهم. إن هؤلاء بدلوا بعدك، أي لم يموتوا على ما ظهر من إسلامهم.
والثاني: أن المراد من كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ارتد بعده فيناديهم النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يكن عليهم سيما الوضوء لما كان يعرفه صلى الله عليه وسلم في حياته من إسلامهم فيقال ارتدوا بعدك.
والثالث: أن المراد أصحاب المعاصي الكبائر الذين ماتوا على التوحيد وأصحاب البدع الذين لم يخرجوا ببدعتهم عن الإسلام. وعلى هذا القول لا يقطع لهؤلاء الذين يذادون بالنار بل يجوز أن يذادوا عقوبة لهم ثم يرحمهم الله سبحانه وتعالى فيدخلهم الجنة بغير عذاب. قال أصحاب هذا القول: ولا يمتنع أن يكون لهم غرة وتحجيل ويحتمل أن يكون كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وبعده لكن عرفهم بالسيما وقال الحافظ ابن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض كالخوارج والروافض وسائر أصحاب الهوى. قال: وكذلك الظلمة المترفون في الجور وطمس الحق والمعادون بالكبائر قال: وكل هؤلاء يخاف عليهم أي يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر انتهى كلام النووي رحمه الله (فأقول كما قال العبد الصالح) أي عيسى عليه الصلاة والسلام (إن تعذبهم الخ) وفي المشكاة: (وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلى قوله العزيز الحكيم) وهذه الاَية في آخر سورة المائدة. وحديث ابن عباس هذا أخرجه الشيخان أيضاً.
- قوله: (إنكم تحشرون رجالا) بكسر الراء جمع راجل أي مشاة (وركباناً) أي على النوق وهو بضم الراء جمع راكب وهم السابقون الكاملو الإيمان. قال التوربشتي: فإن قيل لم بدأ بالرجال بالذكر قيل أول السابقة؟ قلنا لأنهم هم الأكثرون من أهل الإيمان (وتجرون) بصيغة المجهول من الجر.
قوله: (وفي الباب عن إبي هريرة) أخرجه الترمذي في القدر وفي تفسير سورة القمر. وأخرجه أيضاً أبو داود وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في البعث.
قوله: (هذا حديث حسن) قال الحافظ في الفتح وحديث معاوية بن حيدة جد بهز بن حكيم رفعه: إنكم محشورون، ونحا بيده نحو الشام، رجالا وركباناً وتجرون على وجوهكم. أخرجه الترمذي والنسائي وسنده قوي انتهى.
1571- باب مَا جَاءَ فِي الْعَرْض
2472- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيّ بن علي، عَنْ الْحَسَنِ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُعْرَضُ النّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلاَثَ عَرَضَاتٍ، فَأَمّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ وَأَمّا العَرْضَةُ الثّالِثَةُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصّحُفُ فِي الأَيْدِي فَآخِذٌ بِيَمِنِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ".
قال أبو عيسى: وَلاَ يَصِحُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي هُرَيْرَةَ وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ، عَنْ عَلِيّ بن عَلِيً، وَهُوَ الرّفَاعِيّ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عيسى: ولا يَصِحّ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ قِبَلِ أَنّ الحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبي مُوسَى.
- قوله: (يعرض الناس) أي على الله (ثلاث عرضات) بفتحتين، قيل أي ثلاث مرات.
فأما المرة الأولى فيدفعون عن أنفسهم ويقولون لم يبلغنا الأنبياء ويحاجون الله تعالى.
وفي الثانية يعترفون ويعتذرون بأن يقول كل فعلته سهواً وخطأ أو جهلا ونحو ذلك. وهذا معنى قوله (فأما عرضتان فجدال ومعاذير) جمع معذرة ولا يتم قضيتهم في المرتين بالكلية (فعند ذللك تطير الصحف) بضمتين جمع الصحيفة وهو المكتوب أي يسرع وقوعها (في الأيدي) أي أيدي المكلفين (فآخذ بيمينه وآخذ بشماله) الفاء تفصيلية أي فمنهم آخذ بيمينه وهو من أهل السعادة، ومنهم آخذ بشماله وهو من أهل الشقاوة. هذا كله من المرقاة شرح للكشاة. وقال في الفتح بعد ذكر حديث الباب: قال الترمذي: الحكيم الجدال للكفار يجادلون لأنهم لا يعرفون ربهم فيظنون أنهم إذا جادلوا نجوا والمعاذير اعتذار الله لاَدم وأنبيائه بإقامته الحجة على أعدائه، والثالثة للمؤمنين وهو العرض الأكبر.
قوله: (من قبل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة عدم سماع الحسن من أبي هريرة، فالحديث منقطع وقد صرح الحافظ في تهذيب التهذيب بعدم سماعه منه. وقد نقل عن غير واحد من أئمة الحديث أنه لم يسمع منه. (وقد رواه بعضهم عن علي بن علي وهو الرفاعي عن الحسن عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا وهو عند ابن ماجه وأحمد من هذا الوجه مرفوعاً. وأخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عن عبد الله بن مسعود موقوفاً.
1572- باب مِنْه
2473- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ الأَسودِ، عَنْ ابنِ أَبي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ"، قلت: يَا رَسُولَ الله إِن الله تعالى يَقُولُ: {فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} قَالَ: "ذَلِكَ العَرْضُ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ، وَرَوَاهُ أَيّوبُ أَيْضاً، عنْ ابنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.
- قوله: (عن عثمان بن الأسود) بن موسى المكي مولى بن جمع، ثقة ثبت من كبار السابعة.
- قوله: (من نوقش الحساب) قال صاحب الفائق: يقال ناقشه الحساب إذا عاسره فيه واستقصى فلم يترك قليلا ولا كثيراً. وقال الحافظ: الحساب بالنصب على نزع الخافض والتقدير نوقش في الحساب (هلك) أي عذب في النار جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه (قلت يا رسول الله) إن الله يقول: "فأما من أوتى كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً"، وتمامه: وينقلب إلى أهله مسروراً (قال ذاك العرض) بكسر الكاف وجوز الفتح على خطاب العام. والمعنى: إنما ذلك الحساب اليسير في قوله تعالى عرض عمله لا الحساب على وجه المناقشة. قال القرطبي: معنى قوله إنما ذاك العرض أن الحساب المذكور في الاَية إنما هو أن تعرض أعمال المؤمن عليه حتى يعرف منة الله عليه في هترها عليه في الدنيا وفي عفوه عنها في الاَخرة كما في حديث ابن عمر في النجوى انتهى.
اعلم أنه وقع عند الشيخين في طريق ابن أبي مليكه عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ليس أحد يحاسب يوم القيامة إلا هلك. فقلت يا رسول الله أليس قد قال الله: "فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما ذلك العرض الحديث. فعلى هذه الرواية تظهر المعارضة بينها وبين قوله تعالى المذكور.
قال الحافظ: وجه المعارضة أن لفظ الحديث عام في تعذيب كل من حوسب ولفظ الاَية دال على أن بعضهم لا يعذب.
وطريق الجمع أن المراد بالحساب في الاَية العرض وهو إبراز الأعمال وإظهارها فيعرف صاحبها بذنوبه ثم يتجاوز عنه انتهى.
قلت: ولا يظهر وجه المعارضة بين رواية الباب بلفظ: من نوقش الحساب هلك. وبين قوله تعالى المذكور، فتفكر.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
1573- باب مِنْه
2474- حَدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُجَاءُ بابنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ كَأَنّهُ بَذَجٌ فَيُوقَفُ بَيْنَ يَدَيْ الله تَعَالَى فَيَقُولُ الله: أَعْطَيْتُكَ، وَخَوّلتُكَ، وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ فَمَاذَا صَنَعْتَ؟ فَيَقُولُ جَمَعْتُهُ، وَثَمّرْتُهُ، وَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ فارْجِعْنِي آتِكِ بِهِ كُلّهِ. فَيَقُولُ: لَهُ: أَرِنِي مَا قَدّمْتَ. فَيَقُولُ يَا رَبّ جَمَعْتُهُ وَثمّرْتُهُ فَتَرَكْتُهُ أَكْثَرَ مَا كَانَ فارجِعْنِي آتِكِ بِهِ كُلّهِ. فَإِذَا عَبْدٌ لَمْ يُقَدّمْ خَيْراً فَيُمْضَى بِهِ إِلَى النّارِ".
قال أبو عيسى: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ. قوْلهُ وَلَمْ يُسْنِدُوهُ وَإِسْمَاعِيلُ بنُ مُسْلِمٍ يُضَعّفُ فِي الْحَدِيثِ مِن قِبَلِ حِفْظِهِ.
وَفِي البَابِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ.
2475- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحمّدِ الزّهْرِيّ البَصْرِيّ، أخبرنا مَالِكُ بنُ سُعَيْرٍ أَبُو مُحمّدٍ التّمِيمِيّ الكُوفِيّ، حدثنا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ قَالاَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالعَبْدِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَقُولُ لَهُ: أَلَمْ أَجْعَلُ لَكَ سَمْعاً وَبَصَراً وَمَالاً وَوَلَداً وَسَخّرْتُ لَكَ الأَنْعَامَ وَالْحَرثَ وَتَرَكْتُكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ فكنتَ تَظُنّ أَنّكَ مُلاَقِي يَوْمَكَ هَذَا؟ قال: فَيَقُولُ لاَ. فَيَقُولُ الله لَهُ: الْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ. وَمَعْنَى قوله: اليَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيْتَنِي: يقول: اليَوْمَ أَتْرُكُكَ فِي العَذَابِ هكذا فَسّروهُ
قال أبو عيسى: وَقَدْ فَسَرّ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ هَذِهِ الاَيَةَ: {فَاليَوْمَ نَنْسَاهُمْ} قالُوا: إِنما مَعْنَاهُ الْيَوْمَ نَتْرُكُهُمْ فِي الْعَذَابِ.
- قوله: (أخبرنا إسماعيل بن مسلم) المكي أبو إسحاق كان من البصرة، ثم سكن مكة، وكان فقيهاً ضعيف الحديث من الخامسة.
قوله: (يجاء) أي يؤتى (كأنه بذج) بفتح موحدة وذال معجمة فجيم ولد الضأن معرب بره أراد بذلك هوانه وعجزه. وفي بعض الطرق فكأنه بذج من الذال وفي شرح السنة شبه ابن آدم بالبذج لصغاره وصغره، أي يكون حقيراً ذليلاً (فيوقف) أي ابن آدم (أعطيتك) أي الحياة والحواس والصحة والعافية ونحوها (وخولتك) أي جعلتك ذا خول من الخدم والحشم والمال والجاه وأمثالها (وأنعمت عليك) أي بإنزال الكتاب وبإرسال الرسول وغير ذلك (فماذا صنعت) أي فيما ذكر (فيقول جمعته) أي المال (وثمرته) بتشديد الميم أي نميته وكثرته (وتركته) أي في الدنيا عند موتي (أكثر ما كان) أي في أيام حياتي (فارجعني) بهمزة وصل أي ردني إلى الدنيا (آتك به كله) أي بإنفاقه في سبيلك، كما أخبر عن الكفار أنهم يقولون في الاَخرة: "رب اجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت" (فيقول له) أي الرب لابن لاَدم (أرني ما قدمت) أي لأجل الاَخرة من الخير (فيقول) أي ثانياً كما قال أولا (فإذا عبد) الفاء فصيحة تدل على المقدر وإذا للمفاجأة وعبد خبر مبتدأ محذوف. أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو عبد (لم يقدم) خيراً أي فيما أعطي ولم يمتثل ما أمر به ولم يتعظ ما وعظ به من قوله تعالى: (ولتنظر نفس ما قدمت لغد، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله) (فيمضي به) بصيغة المجهول أي فيذهب به.
قوله: (وفي الباب عن أبي هريرة) وأبي سعيد الخدري أخرجه الترمذي بعد هذا.
- قوله: (حدثنا عبد الله بن محمد الزهري البصري) صدوق من صغار العاشرة (أخبرنا مالك بن سعير) بالتصغير ولاَخره راء ابن الخمس بكسر المعجمة وسكون الميم بعدها مهملة، لابأس به من التاسعة.
قوله: (ترأس) بوزن تفتح رأس القوم يرأسهم إذا صار رئيسهم ومقدمهم (وتربع) أي تأخذ ربع الغنيمة، يقال ربعت القوم إذا أخذت ربع أموالهم أي ألم أجعلك رئيساً مطاعاً، لأن الملك كان يأخذ ربع الغنيمة الجاهلية دون أصحابه ويسمى ذلك الربع المرباع.
1574- باب مِنْه
2476- حَدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بن المُبَارَكِ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ أَبي أَيّوبَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدٍ المُقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَرَأَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: {يَوْمَئِذٍ تُحَدّثُ أَخْبَارَهَا} قَالَ "أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟" قَالُوا الله وَرَسُولْهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "فَإنّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ عَمِلَ كَذَا وَكَذَا يَوْمٍ كَذَا وَكَذَا، قال فهذا أَخْبَارُهَا، فَهَذَا أَمْرُهَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
- قوله: (أخبرنا عبد الله) هو ابن المبارك (أخبرنا يحيى بن أبي سليمان المدني أبو صالح لين الحديث من السادسة).
قوله: (تحدث) أي الأرض (ما أخبارها) بفتح الهمزة جمع خبر أي تحديثها (أن تشهد على كل عبد أو أمة) أي ذكر وأنثى (بما عمل) أي فعل كل واحد (أن تقول) بدل بعض من أن تشهد أو بيان. ويؤيده ما في رواية الجامع تقول بدون أن أو خبر مبتدأ محذوف. أي هي يعني شهادتها أن تقول (عمل) أي فلان (كذا وكذا) أي من الطاعة أو المعصية (في يوم كذا وكذا) أي من شهر كذا أو عام كذا (قال بهذا أمرها) أي بهذا المذكور أمر الله تعالى الأرض وفي بعض النسخ فهذا أمرها وفي بعضها فهذه أخبارها وفي بعضها فهذا أخبارها.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وعبد بن حميد والنسائي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان.
1575- باب مَا جَاءَ فِي شَأنِ الصّور
في صحيح البخاري قال مجاهد: الصور كهيئة البوق، انتهى. وقال صاحب الصحاح: البوق الذي يزمر به وهو معروف، والصور: إنما هو قرن كما جاء في الأحاديث المرفوعة، وقد وقع في قصة جده الأذان بلفظ البوق القرن في الاَلة التي يستعملها اليهود للأذان، ويقال إن الصور اسم القرن بلغة أهل اليمن وشاهده قول الشاعر:
نحن نفخناهم غداة النقعين *** نفخاً شديداً لا كنفخ الصورين
كذا في الفتح
2477- حَدّثنا سُوَيْدُ بن نصر، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا سُلَيْمَانُ التّيمِيّ عَنْ أَسْلَمَ العِجْلِيّ عَنْ بِشْرِ بنِ شَغَافٍ، عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ قَالَ: "جَاءَ أَعْرَابِيٌ إِلَى النبيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا الصّورُ؟ "قَالَ: قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ".
قال أبو عيسى هذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ روى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ وَلاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيِثهِ.
2478- حدّثنا سُوَيْدٌ، أخبرنا عَبْدُ الله، أخبرنا خَالِدٌ أَبُو الْعَلاَءِ، عَنْ عَطِيّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قال: قَالَ: رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "وَكَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدْ الْتَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الاْذْنَ مَتَى يُؤمَرُ بِالنّفْخِ فَيَنْفُخَ، فَكَأَنّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: قُولُوا حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى الله تَوَكّلْنَا".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ هَذَا الْحَدِيثُ عنْ عَطِيّةَ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخدري، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ.
- قوله: (حدثنا سويد) هو ابن نصر (أخبرنا سليمان التيمي) هو ابن طرخان (عن أسلم العجلي) بكسر العين وسكون الجيم بصري ثقة من الرابعة (عن بشر بن شغاف) بفتح المعجمتين آخره فاء ضبي بصرى ثقة من الثالثة.
قوله: (قرن بنفح بصيغة المجهول) أي ينفخ فيه إسرافيل النفختين.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والدارمي والحاكم وصححه بان حبان والحاكم.
- قوله: (أخبرنا خالد أبو العلاء) هو ابن طهمان الكوفي الخفاف مشهور بكنيته، صدوق رمى بالتشيع، ثم اختلط من الخامسة (عن عطية) بن سعد بن جنادة العوفي.
قوله: (وكيف) كذا في النسخ الحاضرة بالواو قيل كيف، وأخرجه في تفسير سورة الزمر بلفظ كيف أنعم الخ بدون الواو وهو الظاهر (أنعم) أي أفرح وأتنعم من نعم عيشه كفرح اتسع ولان كذا في المصباح. وفي النهاية: هو من النعمة بالفتح وهي المسرة والفرح والترفه (وصاحب القرن قد التقم القرن) أي وضع طرف القرن في فمه (واستمع الإذن مني يؤمر بالنفخ فينفخ. وفي رواية الترمذي في التفسير: وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ. والظاهر أن كلا من الالتقام والإصغاء على الحقيقة وأنه عبادة لصاحبه بل هو مكلف به. وقال القاضي رحمه الله: معناه كيف يطيب عيشي وقد قرب أن ينفخ في الصور فكنى عن ذلك بأن صاحب الصور وضع رأس الصور في فمه وهو مترصد مترقب لأن يؤمر فينفخ فيه (فكأن ذلك ثقل على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وفي التفسير: قال المسلمون فكيف نقول يا رسول الله (حسبنا الله) مبتدأ وخبر أي كافينا الله (ونعم الوكيل) فعيل بمعنى المفعول، والمخصوص بالمدح محذوف، أي نعم الموكول إليه الله.
قوله: (هذا حديث حسن) وأخرجه الحاكم وصححه. قال الحافظ في الفتح بعد ذكر حديث أبي سعيد هذا: وأخرجه الطبراني من حديث زيد ين أرقم وابن مردويه من حديث أبي هريرة ولأحمد والبيهقي من حديث ابن عباس وفيه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره وهو صاحب الصور يعني إسافيل. وفي أسانيد كل منها مقال. وللحاكم بسند حسن عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة رفعه: إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دويان انتهى.
1576- باب مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الصّراط
2479- حَدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا عَلِيّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرّحمنِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ النّعْمَانِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ قَالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شِعَارُ المُؤْمِنِينَ عَلَى الصّرَاطِ: رَبّ سَلّم سَلّم".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ غَرِيبٌ من حديث المغيرة بنِ شعبة لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ حَدِيث عَبْدِ الرحمنِ بنِ إِسْحَاقَ، وفي البَابِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ.
2480- حدّثنا عَبْدُ الله بنِ الصّبّاحِ الْهَاشِمِيّ، حدثنا بَدَلُ بنُ المحَبّر، أَخْبَرَنَا حَرْبُ بنُ مَيْمُونٍ الأَنْصَارِيّ أَبُو الْخَطّابِ، أَخْبَرنَا النّضْرُ بنُ أَنَسِ بنِ مَالِكِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: "أَنَا فَاعِلٌ". قال: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ قَالَ: "اطْلُبْنِي أَوّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصّرَاطِ"، قال: قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصّرَاطِ"، قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيزَانِ"، قلت: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ المِيزَانِ؟ قَالَ: "فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ، فَإِنّي لاَ أُخْطِئُ هَذِهِ الثّلاَثَ المَوَاطِنَ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
قوله: (شعار المؤمنين) بكسر الشين المعجمة، أي علامتهم التي يتعارفون بها (رب سلم سلم) أمر مخاطب أي يقول كل منهم يا رب سلمنا من ضرر الصراط، أي اجعلنا سالمين من آفاته آمنين من مخافاته. وفي الجامع الصغير: شعار أمتي إذا حملوا على الصراط يالا إله إلا أنت. رواه الطبراني في الكبير عن ابن عمرو. وقال المناوي: وكذا في الأوسط. وقال في شرح قوله يالا إله إلا أنت: أي يالله لا إله إلا أنت: وقال: الأول يعني قولهم رب سلم سلم شعار أهل الإيمان من جميع الأمم. والثاني شعار أمته خاصة فهم يقولون هذا وهذا انتهى. وفي حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم.
قال الحافظ: قوله ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم في رواية شعيب: ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل. وفي رواية إبراهيم بن سعد: ولا يكلمه إلا الأنبياء ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ثم ذكر حديث المغيرة الذكرة في هذا الباب ثم قال: ولا يلزم من كون هذا. الكلام شعار المؤمنين أن ينطقوا به بل تنطق به الرسل يدعون للمؤمنين بالسلامة فسمي ذلك شعاراً لهم فبهذا تجتمع الأخبار انتهى.
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه الحاكم.
- قوله: (حدثنا حرب بن ميمون الأنصاري أبو الخطاب) هو حرب بن ميمون الأكبر صدوق رمى بالقدر من السابعة (أخبرنا النضر بن أنس بن مالك) الأنصاري أبو مالك البصري ثقة من الثالثة (عن أبيه) أي أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله: (قال سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة) أي الشفاعة الخاصة من بين هذه الأمة دون الشفاعة العامة (قلت يا رسول الله فأين أطلبك) قال الطيبي رحمه الله أي في أي موطن من المواطن التي أحتاج إلى شفاعتك أطلبك لتخلصني من تلك الورطة، فأجاب: علي الصراط وعند الميزان والحوض أي أفقر الأوقات إلى شفاعتي هذه المواطن، فإن قلت كيف التوفيق بين هذا الحديث وحديث عائشة: فهل تذكرون أهليكم يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحداً. قلت جوابه لعائشة بذلك لئلا تتكل على كونها حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجوابه لأنس كيلا ييأس انتهى. قال القاري: فيه أنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو محل الاتكال أيضاً مع أن اليأس غير ملائم لها أيضاً، فالأوجه، أن يقال إن الحديث الأول محمول على الغائبين فلا أحد يذكر أحداً من أهله الغيب والحديث الثاني محمول على من حضره من أمته انتهى (قال اطلبني أول ما تطلبني) أي في أول طلبك إياي (على الصراط) فما مصدرية وأول نصب على الظرفية. وقال الطيبي: نصبه على المصدرية (قال فاطلبني عند الميزان) فيه إيذان بأن الميزان بعد الصراط (فإني لا أخطئ) بضم همز وكسر الطاء بعدها همز، أي لا أتجاوز. والمعنى: أني لا أتجاوز هذه المواطن الثلاثة ولا أحد يفقدني فيهن جميعهن فلا بد أن تلقاني في موضع منهن. والحديث يدل على أن الحوض بعد الصراط وإلى ذلك أشار البخاري في صحيحه. قال الحافظ في الفتح: إيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعمد نصب الصراط والمرور عليه، ثم ذكر حديث أنس بن مالك المذكور في هذا الباب ثم قال: وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما ثبت أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار. ووجه الإشكال أن الذي يمر على الصراط إلى أن يصل إلى الحوض يكون قد نجا من النار، فكيف يرد إليها؟ ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط. وقال أبو عبد الله القرطبي في التذكرة: ذهب صاحب القوت وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط. وذهب آخرون إلى العكس. والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين، أحدهما في الموقف قبل الصراط. والاَخر داخل الجنة، وكل منهما يسمى كوثر انتهى.
وقد تعقب الحافظ على القرطبي في قوله: والصحيح أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين الخ، وبسط الكلام فيه.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد.
1577- باب مَا جَاءَ فِي الشّفَاعَة
2481- أخبرنا سُوَيْدٌ بنُ نصرٍ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ المُبَارَكِ، أخبرنا أَبُو حَبَانَ التّيْمِيّ، عَنْ أَبي زُرْعَةَ بنِ عَمْرِو بنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ: "أُتِيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إِلَيْهِ الذّرَاعُ فَأَكَلَهُ وَكَانَ تُعْجِبُهُ فَنَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمّ قَالَ: "أَنَا سَيّدُ النّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ ذَاكَ؟ يَجْمَعُ الله النّاسَ الأَوّلِينَ وَالاَخِرِينَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدّاعِي وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشّمْسُ فَيَبْلُغُ النّاسَ مِنَ الغَمّ وَالكَرْبِ مَالاَ يُطِيِقُونَ وَلاَ يَتَحَمّلُونَ، فَيَقُولُ النّاسُ بَعَضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغْكُمْ أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبّكُمْ؟ فَيَقُولُ النّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَلَيْكُمْ بِآدَمَ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ أَبُو البَشَرِ خَلَقْكَ الله بِيَدِهِ وَ نَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ أَلاَ تَرى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاَ تَرَى مَا قَدْ بَلَغْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ آدَمُ إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ. وَإِنّهُ قَدْ نَهَانِي عَنْ الشّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ. نَفْسِيْ نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحاً فَيَقُولُونَ: يا نُوحُ أَنْتَ أَوّلُ الرّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَقَدْ سَمّاكَ الله عَبْداً شَكُوراً،. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ أَلاَ تَرَى إلى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلاّ تَرَى مَا قَدْ بَلَغْنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحُ: إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ، فَيَقُولُونَ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيّ الله وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فَيَقُولُ: إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنّي قَدْ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ. فَذَكَرَهُنّ أَبُو حَيّانَ في الْحَدِيثِ: نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى، فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ الله فَضّلَكَ الله بِرِسَالَتِهِ وَبِكلاَمِهِ عَلَى البشر، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ. أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَإِنّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْساً لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، فَيَأْتُونَ عِيسَى فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ الله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَكَلّمْتَ النّاسَ في المَهْدِ. اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِكَ أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ فَيَقُولُ: عِيسَى إِنّ رَبّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَباً لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ وَلَنْ يَغْضَبْ بَعْدَهُ مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْباً نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَيَأْتُونَ مُحمّداً صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُونَ: يَا مُحمّدُ أَنْتَ رَسُولُ الله وَخَاتَمُ الأَنْبِيَاءِ: وَقد غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخّرَ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبّكَ أَلاّ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ، فأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَراشِ فَأَخِرّ سَاجِداً لِرَبّي. ثُمّ يَفْتَحُ الله عَلَيّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئاً لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي. ثُمّ يُقَالُ: يَا مُحمّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ سَلْ تُعْطَهُ وَاشْفَعْ تُشَفّعْ. فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ يَا رَبّ أُمّتِي يَا رَبّ أُمّتِي يَا رَبّ أُمّتِي، فَيَقُولُ: يَا مُحمّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ". ثُمّ قالَ: وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنّةِ كَمَا بَيْنَ مَكّةَ وَهُجَرَ وَكَمَا بَيْنَ مَكّةَ وَبُصْرى".
وفي البَابِ، عن أَبي بَكْرٍ الصّدّيقِ، وَأَنَسٍ، وَعُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، وَأَبي سَعِيدٍ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وَأَبو حيان اسمُهُ يحيى بنُ سعيدٍ بن حيان كوفي وهو ثِقة وأَبو زُرعة بنُ عمرٍو بنُ جريرٍ اسمُهُ هرمٌ.
- قوله: (أخبرنا أبو حبان بتشديد التحتانية التيمي) قال في التقريب: اسمه يحيى بن سعيد بن حيان بمهملة وتحتانية الكوفي، ثقة عابد من السادسة.
ا قوله: (وكان يعجبه) قال القاضي عياض: محبته صلى الله عليه وسلم للذراع لنضجها وسرعة استمرائها مع زيادة لذتها وحلاوة مذاقها، وبعدها عن مواضع الأذى انتهى كلامه. وقد روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كانت الذراع أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن كان لا يجد اللحم إلا غباً، فكان يعجل إليها لأنها أعجلها نضجاً (فنهش منه نهشة) بالشين المعجمة. وفي بعض النسخ بالسين المهملة، ووقع في رواية مسلم بالسين المهملة. قال القاضي عياض: أكثر الرواة رووه بالمهملة ووقع لابن ماهان بالمعجمة وكلاهما صحيح بمعنى أخذ بأطراف أسنانه. قال الهروي: قال أبو العباس: النهس بالمهملة بأطراف الأسنان، وبالمعجمة بالأضراس،، ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة. إنما قال هذا صلى الله عليه وسلم تحدثاً بنعمة الله تعالى وقد أمره الله تعالى بهذا نصيحة لنا بتعريفنا حقه صلى الله عليه وسلم. قال القاضي عياض: قيل السيد الذي يفوق قومه والذي يزع إليه في الشدائد النبي صلى الله عليه وسلم سيدهم في الدنيا والاَخرة، وإنما خص يوم القيامة لارتفاع السؤدد فيها، وتسليم جميعهم له، ولكون آدم وجميع أولاده تحت لوائه صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: (لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار) أي انقطعت دعاوي الملك في ذلك اليوم (هل تدرون لم) أي لأي وجه (ذاك) أي كوني سيد الناس يوم القيامة (في صعيد واحد) الصعيد هو الارض الواسعة المستوية (فيسمعهم) من الإسماع أي أنهم بحيث إذا دعاهم داع سمعوه (وينفذهم البصر) بفتح أوله وضم الفاء من الثلاثي أي يحزفهم وبضم أوله وكسر الفاء من الرباعي، أي يحيط بهم والذال معجمة في الرواية.
وقال أبو حاتم السجستاني: أصحاب الحديث يقولونه بالمعجمة وإنما هو بالمهملة ومعناه يبلغ أولهم وآخرهم. وأجيب بأن المعنى يحيط بهم الراثي لا يخفي عليه منهم شيء لاستواء الأرض فلا يكون فيها ما يستتر أحد به من الرائي، وهذا أولى من قول أبي عبيدة يأتي عليهم بصر الرحمن. إذ رؤية الله تعالى محيطة بجمعهم في كل حال سواء الصعيد المستوى وغيره، ويقال نفذه البصر إذ بلغه وجاوزه والنفاذ الجواز والخلوص من الشيء ومنه نفذ السهم نفوذاً إذا خرق الرمية وخرج منها كذا في الفتح. وقال النووي: بعد ذكر هذه الاختلافات ما لفظه فحصل خلاف في فتح الياء وضمها وفي الذال والدال وفي الضمير في ينفذهم والأصح فتح الياء وبالذال المعجمة وأنه بصر المخلوق انتهى (فيبلغ الناس) بالنصب أي فيلحقهم (من الغم) أي من أجله وسببه (والكرب) وهو الهم الشديد (مالا يطيقون) أي مالا يقدرون على الصبر عليه (ولا يتحملون) فيجزعون ويفزعون (ألا ترون ما قد بلغكم) أي لحقكم من الغم أو الكرب (ألا تنظرون) أي ألا تتأملون ولا تتفكرون أو لا تبصرون (من يشفع لكم إلى ربكم) أي ليريحكم من هذا الهم والغم (نفسي نفسي نفسي) أي نفسي هي التي تستحق أن يشفع لها (فيقولون يا نوح أنت أول الرسل إلى أهل الأرض) استشكلت هذه الأولية بأن آدم عليه السلام نبي مرسل وكذا شيث وإدريس وغيرهم. وأجيب بأن الأولية مفيدة بقوله الى أهل الأرض ويشكل ذلك بحديث جابر في البخاري في التميم: وكان النبي يبعث خاصة إلى قوم خاصة ويجاب بأن العموم لم يكن في أصل بعثة نوح وإنما اتفق باعتبار حصر الخلق في الموجودين بعد هلاك سائر الناس انتهى. وفيه نظر ظاهر لا يخفي، وقيل إن الثلاثة كانوا أنبياء لم يكونوا رسلا ويرد عليه حديث أبي ذر عند ابن حيان فإنه كالصريح بإنزال الصحف على شيث وهو علامة الإرسال انتهى وفيه بحث، إذ لا يلزم من إنزال الصحف أن يكون المنزل عليه رسولا لاحتمال أن يكون في الصحف ما يعمل به بخاصة نفسه، ويحتمل أن لا يكون فيه أمر نهي. بل مواعظ ونصائح تختص به، فالأظهر أن يقال الثلاثة كانوا مرسلين إلى المؤمنين والكافرين وأما نوح عليه السلام فإنما أرسل إلى أهل الأرض وكلهم كانوا كفاراً هذا وقد قيل هو نبي مبعوث أي مرسل ومن قبله كانوا أنبياء غير مرسلين كآدم وإدريس عليهما السلام فإنه جد نوح على ما ذكره المؤرخون. قال القاضي عياض: قيل إن إدريس هو إالياس وهو نبي من بني إسرائيل فيكون متأخراً عن نوح فيصح أن نوحاً أول نبي مبعوث مع كون إدريس نبياً مرسلا. وأما آدم وشيث فهما وإن كانا رسولين إلا أن آدم أرسل إلى بنيه ولم يكونوا كفاراً بل أمر بتعليمهم الإيمان وطاعة الله. وشيثاً كان خلفاً له فيهم بعده بخلاف نوح فإنه مرسل إلى كفار أهل الأرض وهذا أقرب من القول بأن آدم وإدريس لم يكونا رسولين، كذا في المرقاة (وقد سَمّاك الله عبداً شكوراً) أي في قوله تعالى: {ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً}، (وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها على قومي) وفي حديث أنس عند البخاري فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته. قال الحافظ في رواية هشام: ويذكر سؤال ربه ماليس به علم وفي حديث أبي هريرة: إني دعوت بدعوة أغرقت أهل الأرض ويجمع بينه وبين الأول بأنه اعتذر بأمرين أحدهما نهى الله تعالى أن يسأل ما ليس له به علم، فخش أن تكون شفاعته لأهل الموقف من ذلك. ثانيهما أن له دعوة واحدة محققة الإجابة وقد استوفاها بدعائه على أهل الأرض. فخشى أن يطلب فلا يجاب. وقال بعض الشراح: كان الله وعد نوحاً أن ينجيه، وأهله فلما غرق ابنه ذكر لربه ما وعده، فقيل له المراد من أهلك من آمن وعمل صالحاً فخرج ابنك منهم فلا تسأل ما ليس لك به علم (وإني قد كذبت ثلاث كذبات) وهي قوله: إني سقيم وقوله: فعله كبيرهم هذا. وقوله: لا مرأته أخبريه أني أخوك. قال البيضاوي: الحق أن الكلمات الثلاث إنما كانت من معاريض الكلام، لكن لما كانت صورتها صورة الكذب أشفق منها استصغاراً لنفسه عن الشفاعة مع وقوعها، لأن من كان أعرف بالله وأقرب منزلة كان أعظم خوفاً (ولم يذكر ذنباً) قال الحافظ: ولكن وقع في رواية الترمذي من حديث أبي نضرة عن أبي سعيد: إني عبدت من دون الله. وفي رواية أحمد والنسائي من حديث ابن عباس: إني اتخذت إلهاً من دون الله. وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه وزاد: وإن يغفر لي اليوم حسبي (يا رب أمتي. يا رب أمتي. يا رب أمتي) أي أرحمهم واغفر لهم التكرار للتذكير (وهم) أي من لاحساب عليهم (شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب) أي ليسوا ممنوعين من سائر الأبواب بل هم مخصوصون للعناية بذلك الباب. قال في القاموس: المصراعان من الأبواب والشعر ما كانت قافيتان في بيت، وبابان منصوبان ينضمان جميعاً مدخلهما في الوسط منهما (كما بين مكة وهجر) بفتحتين مصروفاً وقد لا يصرف، ففي الصحاح: هجر اسم بلد مذكر مصروف. وقيل هي قرية من قرى البحرين. وقيل من قرى المدينة. قال القاري: والأول هو المعول.
وكذا صحح القول الأول الشيخ عبد الحق في اللمعات.
قلت: وهو الظاهر. وفي بعض النسخ بين مكة وحمير وهو بكسر الحاء المهملة وفتح التحتية بينهما ميم ساكنة آخره راء أي صنعاء لأنها بلد حمير. ووقع في رواية البخاري في تفسير سورة بني إسرائيل: كما بين مكة وحمير (وكما بين مكة وبصرى) بضم الموحدة مدينة بالشام بينها وبين دمشق ثلاث مراحل.
اعلم أنه وقع في النسخ الحاضرة وكما بين مكة وبصرى بالواو، والظاهرة أن الواو هنا بمعنى أو، وقد وقع في رواية البخاري المذكورة: كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصرى بلفظ أو.
قوله: (وفي الباب عن أبي بكر) أخرجه أحمد والبزار وأبو يعلي وابن حبان في صحيحه (وأنس) أخرجه الشيخان (وعقبه) بن عامر لينظر من أخرجه (وأبي سعيد) أخرجه الترمذي في تفسير سورة بني إسرائيل.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان.
1578- باب منه
2482- حَدّثنا العَبّاسُ العَنْبَرِيّ، حدثنا عَبْدُ الرّزَاقِ، عن مَعْمَرٍ، عن ثَابِتٍ، عن أَنَسٍ قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شَفَاعَتِي لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَتِي".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غريبٌ من هذا الْوَجْهِ. وفي البابِ عن جَابِرٍ.
2483- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشّارٍ، أَخْبَرنَا أَبُو دَاودَ الطّيَالِسِيّ، عن محمد بنِ ثَابِتٍ البُنَانِيّ، عن جَعْفَرِ بنِ مُحمّدٍ، عن أَبِيهِ، عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "شَفَاعَتِي لاِهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمّتِي".
قالَ محمّدُ بنُ عَلِيّ: فَقَالَ لِي جَابِرٌ: يَا مُحْمّدُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الكَبَائِرِ فَمَا لَهُ وَلِلشَفَاعَةِ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسن غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُستغربُ من حديثِ جعفر بنِ مُحمدٍ.
2484- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، أَخْبَرنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ، عن مُحمّدِ بنِ زِيَادٍ الأَلْهَانِيّ قال: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "وَعَدَنِي رَبّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنّةَ مِنْ أُمّتِي سَبْعِينَ أَلْفاً لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلاَ عَذَابَ، مَعَ كلّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفاً وَثَلاَثُ حَثَيَاتٍ مِنْ حثيَاتِ رَبّي".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
2485- حدّثنا أَبُو كَرَيْبٍ، حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، عن خَالِدٍ الحِذّاءِ، عن عَبْدِ الله بنِ شَقِيقٍ قالَ: كُنْتُ مَعَ رَهْطِ بإِيلِيَاءَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَدْخُلُ الْجَنّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمّتِي أَكْثَرُ مِنْ بني تَمِيمٍ" قِيلَ: يَا رَسُولَ الله سِوَاكَ؟ قالَ: "سِوَايَ" فَلَمّا قَامَ قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالُوا هَذَا ابنُ أَبِي الْجَذْعَاءِ.
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ وابنُ أَبي الجَذْعَاءِ هُوَ عَبْدُ الله وَإِنّمَا يُعَرَفُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ.
2486- حدّثنا أبو عمار الحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ، أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن زَكَرِيّا بنِ أَبي زَائِدَةَ، عن عَطِيّةَ، عن أَبي سَعِيدٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ مِنْ أُمّتِي مَنْ يَشْفَعُ لِلفِئَامِ مِنَ النّاسِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلقَبِيلَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلعُصْبَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلرّجُلِ حَتّى يَدْخُلُوا الجَنّةَ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ.
2487- حدّثنا أَبُو هِشَامٍ مُحمّدٌ بنُ يَزِيدَ الرّفَاعِيّ الكُوفِيّ قَالَ: حدثنا يَحْيى بنُ الْيَمَانِ، عن حُسَيْنِ بنِ جَعْفَرٍ، عن الْحَسَنِ البَصْرِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَشْفَعُ عُثْمَانُ بنُ عَفّانَ رضي الله عنه يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضْرَ".
2488- حَدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا عَبْدَةُ، عن سَعِيدٍ عن قَتَادَةَ، عن أَبي المَلِيحِ، عن عَوْفِ بنِ مَالِكِ الأَشْجَعِيّ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "أَتَانِي آتٍ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَخَبّرَنِي بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ نِصْفَ أُمّتِي الْجَنّةَ وَبَيْنَ الشّفَاعَةِ، فَاخْتَرْتُ الشّفَاعَةَ وَهِيَ لِمَنْ مَاتَ لاَ يُشَرِكُ بِالله شَيْئاً". وَقَدْ رُوِيَ عَن أَبِي المَلِيحِ، عن رَجُلٍ آخَرَ مِن أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَذْكُرْ عن عَوْفِ بنِ مَالِكٍ وفي الحديث قصةٌ طويلةٌ.
2489- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا أبو عوانة، عن قُتادة، عن أَبي المَلِيحِ عن عوفٍ بنِ مالكٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه).
- قوله: (شفاعتي) قال المناوي في التيسير: الإضافة بمعنى ال العهدية، أي الشفاعة التي وعدني الله بها ادخرتها (لأهل الكبائر من أمتي) أي لوضع السيئات والعفو عن الكبائر. وأما الشفاعة لرفع الدرجات فلكل من الأتقياء والأولياء وذلك متفق عليه بين أهل الملة. وقال الطيبي رحمه الله: أي شفاعتي التي تنجي الهالكين مختصة بأهل الكبائر. قال النووي في شرح مسلم قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً ووجوبها سمعاً بصريح قوله تعالى: "يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا". وقوله تعالى: "لا يشفعون إلا لمن ارتضى" وأمثالهما. وبخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الاَخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها، ومنعت الخوارج وبعض المعتزلة منها وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالى: "فما تنفعهم شفاعة الشافعين" وبقوله تعالى: "ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع". وهذه الاَيات في الكفار. وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل وألفاظ الأحاديث صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار لكن الشفاعة خمسة أقسام:
أولها: مختصة بنبينا صلى الله عليه وسلم، وهي الإراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب.
الثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهذه أيضاً وردت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد ذكرها مسلم.
الثالثة: الشفاعة لقوم اسوجبوا النار فيشفع فيهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن يشاء الله تعالى.
الرابعة: في من دخل النار من المذنبين، فقد جاءت الأحاديث بإخراجهم من النار بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم والملائكة وإخوانهم من المؤمنين ثم يخرج الله تعالى كل من قال لا إله إلا الله كما جاء في الحديث: لا يبقى فيها إلا الكافرون.
الخامسة: الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها انتهى.
قوله: (وفي الباب عن جابر) أخرجه الترمذي في هذا الباب.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح الخ) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم.
- قوله: (عن محمد بن ثابت البناني) البصري ضعيف من السابعة.
قوله: (قال محمد بن علي) هو والد جعفر الصادق المعروف بالباقر (يا محمد) هو محمد بن علي صاحب جابر (فماله وللشفاعة) يعني لا حاجة له إلى الشفاعة لوضع الكبائر والعفو عنها لعدمها. وأما ما دون الكبائر من الذنوب فيكفرها الطاعات، نعم له حاجة إلى الشفاعة لرفع الدرجات.
قوله: (هذا حديث غريب) وأخرجه ابن ماجة وابن حبان والحاكم والحديث ضعيف لضعف محمد بن ثابت ولكنه يعتضد بحديث أنس المذكور رواه الطبراني عن ابن عباس والخطيب عن ابن عمرو عن كعب بن عجرة رضي الله تعالى عنهم. وفي رواية للخطيبب عن أبي الدرداء: شفاعتي لأهل الذنوب من أمتي وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي الدرداء. كذا في الجامع الصغير.
- قوله: (عن محمد بن زياد الألهاني) بفتح الهمزة وسكون اللام أبي سفيان الحمصي ثقة من الرابعة.
قوله: (أن يدخل الجنة) من الإدخال (سبعين ألفاً) قال القاري: المراد به إما هذا العدد أو الكثرة انتهى. قلت الظاهر هنا هو الأول (وثلاث حثيات) بفتح الحاء والمثلثة جمع حثية. والحثية والحثوة يستعمل فيما يعطيه الأنسان بكفيه دفعة واحدة من غير وزن وتقدير: قال الزركشي: بالنصب عطف على سبعين وهو دفعة واحدة من غير وزن وتقدير: قال الزركشي: بالنصب عطف على سبعين وهو مفعول يدخل فيكون حينئذ ثلاث حثيات مرة فقط وبالرفع عطف على سبعون الذين مع كل ألف، فيكون ثلاث حثيات سبعين مرة انتهى. قيل والرفع أبلغ قلت روى أحمد عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب. فقال يزيد بن الأخنس والله ما أولئك من احتك إلا كالذباب الأصهب في الذباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد وعدني سبعين ألفاً. مع كل ألف سعبين ألفاً وزادني ثلاث حثيات". الحديث قال المنذري في الترغيب: ورواته محتج بهم في الصحيح فهذه الرواية تؤيد النصب.
قوله: (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه أحمد وابن ماجه.
- قوله: (قال كنت مع رهط) قال في القاموس: الرهط ويحرك قوم الرجل وقبيلته، ومن ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة، وما فيهم امرأة، ولا واحد له من لفطه، جمعه أرهط وأراهط وأرهاط وأراهيط انتهى (بإبلياء) ككبرياء على الأشهر، وبالقصر مدينة بيت المقدس (فقال رجل) هو عبد الله بن أبي الجذعاء (بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم) وهي قبيلة كبيرة وقال القاري: فقيل الرجل هو عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقيل أويس القرني، وقيل غيره انتهى.
قلت: إن دل دليل على تعيين هذا الرجل فهو المتعين وإلا فالله تعالى أعلم به. وأما حديث شفاعة عثمان رضي الله عنه الاَتي فهو مرسل.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه الدارمي وابن ماجه.
قوله: (هو عبد الله) قال في التقريب عبد الله بن أبي الجذعاء بفتح الجيم وسكون المعجمة الكناني صحابي له حديثان تفرد بالرواية عنه عبد اللهبن شقيق (وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد) قال: في تهذيب التهذيب بعد نقل كلام الترمذي هذا: وقد روى عنه حديث آخر من رواية عبد الله بن شقيق عنه، قال قلت يا نبي الله: متى كنت نبياً؟ قال: إذ آدم بين الروح والجسد ولكن اختلف فيه على عبد الله بن شقيق فقيل عنه عن ميسرة الفجر انتهى.
- قوله: (عن عطية) هو ابن سعد العوفي.
قوله: (إن من أمتي) أي بعض أفرادهم من العلماء والشهداء والصلحاء (من يشفع للفئام) بكسر الفاء بعده همزة وقد يبدل قال الجوهري: هو الجماعة من الناس لا واحد له من لفظه، والعامة تقول قيام بلا همز. قال القاري: الأظهر أن يقال ههنا معناه القبائل كما قيل هو في المعنى جمع فئة لقوله (ومنهم من يشفع للقبيلة) وهي قوم كثير جدهم واحد (ومنهم من يشفع للعصبة) بضم فسكون وهو ما بين العشرة إلى الأربعين من الرجال لا واحد لها من لفظها والأظهر أن المراد بها جمع ولو اثنان لقوله (ومنهم من يشفع للرجل) ويمكن أن يقال طوى ما بين العصبة والرجل لما يدل عليه الرجل بالبرهان الجلي كما يدل على المرأة بالقياس الخفي (حتى يدخلوا الجنة) قال في اللمعات: أي المشفوين. وقال الطيبي رحمه الله: يحتمل أن يكون غاية يشفع، والضمير لجميع الأمة، أي ينتهي شفاعتهم إلى أن يدخلوا جميعهم الجنة ويجوز أن يكون بمعنى كي. فالمعنى أن الشفاعة لدخول الجنة.
- قوله: (حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي الكوفي الخ) هذا الحديث إنما وقع في بعض نسخ الترمذي ولذا وضعه صاحب النسخة الأحمدية على الهامش (عن حسين بن جعفر) لم أجد ترجمته في التقريب، ولا في تهذيب التهذيب، ولا في الخلاصة، ولا في الميزان، فلينظر من هو وكيف حاله.
قوله: (بمثل ربيعة ومضر) قبيلتان مشهورتان والحديث مرسل.
قوله: (حدثنا عبدة) هو ابن سليمان (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن أبي المليح) هو ابن أسامة (عن عوف بن مالك الأشجعي) جحابي مشهور من مسلمة الفتح وسكن دمشق ومات سنة ثلاث وسبعين.
قوله: (أتاني آت) أي ملك، وفيه إشعار بأنه غير جبريل (من عند ربي) أي برسالة بأمره (أن يدخل) بضم أوله أي الله (نصف أمتي) أمة الإجابة (وبين الشفاعة) فيهم (فاخترت الشفاعة) لعمومها إذ بها يدخلها ولو بعد دخول النار كل من مات مؤمناً كما قال (وهي) أي والحال أنها كائنة أو حاصلة (لمن مات) من هذه الأمة (لا يشرك بالله شيئاً) أي ويشهد أني رسوله، ولم يذكره أكتفاء بأحد الجزأين.
1579- باب ما جَاءَ في صِفَةِ الحَوض
2490- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا بِشرُ بنُ شُعَيْبٍ بنِ أَبي حَمْزَةَ حدثني أَبي عن الزّهْرِيّ، عن أَنَسُ بنُ مَالِكِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِنّ في حَوْضِي مِنَ الأَبَارِيقِ بِعَدَدِ نُجُومِ السّمَاءِ".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
2491- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ مُحمّدٍ بن علي بنِ نَيزَكَ البَغْدَادِيّ، أَخْبَرنَا مُحمّدُ بنُ بَكّارٍ الدّمَشْقِيّ، أخبرنا سَعِيدُ بنُ بَشِيرٍ، عن قَتَادةَ، عن الْحَسَنِ عن سَمُرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إِنّ لِكُلّ نَبِيٍ حَوْضاً وَإِنّهُمْ يَتَبَاهَونَ أَيّهُمْ أَكْثَرُ وارِدَةً وَإِنّي أَرْجُوا أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً".
قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وَقَدْ رَوَى الأَشْعَتُ بنُ عَبْدِ المَلِكِ هَذَا الْحَدِيثَ عن الحَسَنِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن سُمُرَةَ وَهُوَ أَصَحّ.
- قوله: (حدثنا محمد بن يحيى) هو الذهلي (أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة) ابن دينار القرشي مولاهم أبو القاسم الحمصي ثقة من كبار العاشرة (حدثني أبي) هو شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم أبو بشر ثقة عابد قال ابن معين من أثبت الناس في الزهري من السابعة.
قوله: (إن في حوضى من الأباريق) جمع الإبريق. قال في القاموس: إبريق معرب آب ريز (بعدد نجوم السماء) أي من كثرتها.
قوله: (هذا حديث حسن صحيح غريب) وأخرجه مسلم.
- قوله: (حدثنا أحمد بن محمد بن علي ابن نيزك) بكسر النون بعدها تحتانية ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم كاف أبو جعفر الطوسي في حفظه شيء من الحادية عشرة، كذا في التقريب. وقال في تهذيب التهذيب: قال ابن عقدة في أمره نظر، وذكره ابن حبان في الثقات (أخبرنا محمد بن بكار الدمشقي) العاملي أبو عبد الله القاضي ثقة من العاشرة (أخبرنا سعيد بن بشير) الازدى مولاهم أبو عبد الرحمن أو أبو سلمة الشامي أصله من البصرة أو واسط، ضعيف من الثامنة.
قوله: (إن لكل نبي حوضاً) أي يشرب أمته من حوضه. قال المناوي في التيسير: على قدر رتبته وأمته (وإنهم) أي الأنبياء (يتباهون) أي يتفاخرون (أيهم أكثر واردة) أي ناظرين أيهم أكثر أمة واردة ذكره الطيبي رحمه الله، وقيل أيهم موصولة صدر صلتها محذوف أو مبتدأ وخبر. كما تقول يتباهى العلماء أيهم أكثر علماً أي قائلين (وإني أرجو أن أكون أكثرهم واردة) قال القاري: لعل هذا الرجاء قبل أن يعلم أن أمته ثمانون صفاً وباقي الأمم أربعون في الجنة على ما سبق ثم الحوض على حقيقته المتبادر منه على ما في المعتمد في المعتقد.
قوله: (هذا حديث غريب) وفي بعض النسخ هذا حديث حسن غريب وفي إسناده سعيد بن بشير، وهو ضعيف كما عرفت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق