ب اوه

بي اوهو

نوشيرك بريد /الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟ /وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام  /المقحمات ا. /قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية /مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. /لابثين فيها أحقابا/ المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر / /ُمَّاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما /ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف

الاثنين، 28 فبراير 2022

عبادة السر المؤلف سعيد بن محمد آل ثابت

 

عبادة السر

مقدمة.  تأملات. لماذيات (أهمية الموضوع).

آيات أهل السر الصالح. مُعينات.

 

مقدمة:

كان مسلمة بن عبدالملك يُحاصر ذات يوم حصناً، واستعصى فتح الحصن على الجنود، فوقف مسلمة يخطب بينهم ويقول لهم: "أما فيكم أحد يقْدِم فيحدث لنا نقباً في هذا الحصن؟". وبعد قليل تقدم جندي ملثم، وألقى بنفسه على الحصن، واحتمل ما احتمل من أخطار وآلام، حتى أحدث في الحصن نقباً كان سبباً في فتح المسلمين له، وعقب ذلك نادى مسلمة في جنوده قائلاً: "أين صاحب النقب؟". فلم يجبه أحد، فقال مسلمة: "عزمتُ على صاحب النقب أن يأتي للقائي، وقد أمرت الآذن بإدخاله علي ساعة مجيئه". وبعد حين أقبل نحو الآذن شخص ملثم، وقال له: "استأذن لي على الأمير"، فقال له: "أأنت صاحب النقب؟". فأجاب: "أنا أخبركم عنه، وأدلكم عليه"، فأدخله الآذن على مسلمة، فقال الجندي الملثم للقائد: "إن صاحب النقب يشترط عليكم أموراً ثلاثة: ألا تبعثوا باسمه في صحيفة إلى الخليفة، وألا تأمروا له بشيء جزاء ما صنع، وألا تسألوه من هو؟". فقال مسلمة: "له ذلك، فأين هو؟" فأجاب الجندي في تواضع واستحياء: "أنا صاحب النقب أيها الأمير، ثم سارع بالخروج". فكان مسلمة بعد ذلك لا يصلي صلاة إلا قال في دعائها: "اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة"[1].

هذا الموقف المهيب يجعل العبد في حيرة! هل يعجب من هذا الجندي الذي آثر الآخرة على دنياه، وعظّم نظر الله على غيره؟! أم من هذا القائد الذي لم ينظر سعة فتوحاته وكثرة ما قدم للإسلام والمسلمين شيئاً أمام عمل واحد لجندي من جنوده؟! فبات يدعو بأن يحشر معه، وما ذاك غريب لمن أدرك ما لذي ينظر الله إليه، وما يعتبره من عمل وما يقبله، وهو ما كان خالصاً صواباً. ولعلنا نستحضر في ما مضى كم هي الأعمال التي قدمناها ونحسبها صالحة سواء كانت ذات نفع قاصر أو متعد، هل كُنا اشترطنا لأنفسنا ألا تُسوّد أسماؤنا؟ أو تتشوف نفوسنا لأن تذكر أو تعرف بتلكم الأعمال؟!

 ومن هذا المنطلق أجدني مع أحبتي في طريقنا إلى الله بحاجة إلى تذكير أنفسنا، وندبها إلى الصالح والباقي من الأعمال لا سيما ونحن في زمن أصبحت الأرقام، ولغة الإعلام، والأحكام البشرية، والألقاب الدنيوية، هي المؤشر لصلاح العبد!

 فكانت هذه الورقة لتعيد حساباتنا مع الله تبارك وتعالى، وتحدد موقعنا على خارطة الجنة، وتجيب عن أين نحن من سبيل أهل الفضل والإحسان؟

تأملات:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ( انطلَق ثلاثةُ رَهطٍ ممن كان قبلَكم، حتى أوَوُا المبيتَ إلى غارٍ فدخَلوه، فانحدَرَتْ صخرةٌ منَ الجبلِ فسَدَّتْ عليهمُ الغارَ، فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرةِ إلا أن تدعوَ اللهَ بصالحِ أعمالِكم، فقال رجلٌ منهم: اللهمَّ كان لي أبَوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكنتُ لا أَغبِقُ قبلَهما أهلًا ولا مالًا، فناء بي في طلبِ شيءٍ يومًا، فلم أرُحْ عليهما حتى ناما، فحلَبتُ لهما غَبوقَهما فوجَدتُهما نائمَينِ، وكرِهتُ أن أَغبِقَ قبلَهما أهلًا أو مالًا، فلبِثتُ والقَدَحُ على يدي أنتظِرُ استيقاظَهما حتى برَق الفجرُ، فاستيقَظا فشرِبا غَبوقَهما، اللهمَّ إن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك ففرِّجْ عنا ما نحن فيه من هذه الصخرةِ، فانفرَجَتْ شيئًا لا يستَطيعونَ الخروجَ، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقال الآخَرُ: اللهمَّ كانتْ لي بنتُ عَمٍّ كانتْ أحبَّ الناسِ إليَّ، فأرَدتُها عن نفسِها فامتنَعتْ مني، حتى ألَمَّتْ بها سَنَةٌ منَ السنينَ، فجاءَتْني فأعطَيتُها عشرينَ ومِائَةَ دينارٍ على أن تُخَلِّيَ بيني وبين نفسِها، ففعَلَتْ حتى إذا قدَرتُ عليها قالتْ: لا أُحِلَّ لك أن تَفُضَّ الخاتَمَ إلا بحقِّه، فتحرَّجتُ منَ الوُقوعِ عليها، فانصرَفتُ عنها وهي أحبُّ الناسِ إليَّ وترَكتُ الذهبَ الذي أعطيتُها، اللهمَّ إن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فافرُجْ عنا ما نحن فيه، فانفرَجَتِ الصخرةُ غيرَ أنهم لا يستَطيعونَ الخروجَ منها، قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وقال الثالثُ: اللهمَّ إني استأجَرتُ أُجَراءَ فأعطيتُهم أجرَهم غيرَ رجلٍ واحدٍ ترَك الذي له وذهَب، فثمَّرتُ أجرَه حتى كثُرَتْ منه الأموالُ، فجاءني بعد حينٍ، فقال: يا عبدَ اللهِ أَدِّ إليَّ أجري، فقلتُ له: كلُّ ما تَرى من أجرِك، منَ الإبلِ والبقرِ والغنمِ والرقيقِ، فقال: يا عبدَ اللهِ لا تَستَهزِئْ بي، فقلتُ: إني لا أستَهزِئُ بك، فأخَذه كلَّه فاستاقَه فلم يترُكْ منه شيئًا، اللهمَّ فإن كنتُ فعَلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِك فافرُجْ عنا ما نحن فيه، فانفرَجَتِ الصخرةُ فخرَجوا يَمشونَ) رواه البخاري. والتساؤل ماذا لو كنت أنت أو أنا الرابع؟ ماهي تلك الخبيئة (سواء فعل أمر صالح أو ترك أمر محرم) التي نملكها ولم تكن إلا خوفا من الله وابتغاء مرضاته؟ إن الفطن من كانت خباياه أمثال هذه، وكلما كانت الصحيفة بمثل تلك، كانت الهدايا الربانية أقرب إليه من طرفة عين.

جاء في الصحيحين وغيرهما من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: "بينما رجل يمشي فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: "في كل كبد رطبة أجر". وفي حديث آخر في الصحيحين أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: "بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها فسقته فغفر لها به"، حين التأمل في مشهد هذه البغي لم نجد سوى امرأة بغي، وكلبا وخفا فيه ماء، وأرض فلاة، لم نجد عابدا يصلي في مسجد أو مجاهد سالا سيفه في معركه أو معلما يعلم الناس الخير في بيوت الله! لنتأكد أن رحمة الله قريب من المحسنين وأنها وسعت كل شيء، لكن ما لذي استنزلها على هذه المرأة؟! والجواب إنها تلك العبادة التي تمخضت فيها رقابة الله، ونية خيرٍ وبذل إحسان حتى ولو كان لغير الإنسان.

قال تعالى عن زكريا: ﴿إِذ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا [مريم: ٣]، وقال عن يونس: ﴿فَلَولا أَنَّهُ كانَ مِنَ المُسَبِّحينَ [الصافات: ١٤٣]، الآية الأولى تقص خبر زكريا حين احتاج للولد، فدعا ربه وناداه، والعبرة في حالة الدعاء وهي في الخفاء، فكم من أمور أُديت وحاجات قُضيت لنداءات الخفاء، وفي الآية الثانية يذكر الله جل وعلا عن يونس لما كان قد خرج غاضبا وكان في بطن الحوت وفي ظلمات ثلاث، ظلمة بطن الحوت وظلمة البحر وظلمة الليل، ولم ييأس رغم هذه السياجات فنادى ربه في تلك الزاوية في بطن الحوت في عمق ذلك البحر وتحت ظلام الليل الأيهم، ففتحت له أبواب السماء، حتى أن الملائكة عرفت ذلك الصوت لكنها لم تعلم مكانه، وما ضره أنها لا تعلم مكانه، فالله يعلمه، فما أعظم عبادات السر، ورسائل ونداء الخفاء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "سبعةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظِلِّهِ يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّهُ: إمامٌ عدلٌ، وشابٌّ نشأَ في عبادةِ اللهِ، ورجلٌ قلبُهُ مُعَلَّقٌ في المساجدِ، ورجلانِ تحابَّا في اللهِ، اجتمعا عليهِ وتفرَّقا عليهِ، ورجلٌ دعَتْهُ امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ، فقال: إني أخافُ اللهَ، ورجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ، فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُهُ ما تُنْفِقْ يمينُهُ، ورجلٌ ذَكَرَ اللهَ خاليًا ففاضتْ عيناهُ" رواه البخاري. هذه المآثر لهؤلاء السبعة تتضمن علة يشتركون فيها مع أن المنطق العام يخالفها فالإمام في الجملة جائر، والشاب له شهوة وصبوة، والرجل عادة ما يتعلق بالدنيا وزينتها، وأصل الخُلة والصداقة التحاب على الدنيا ﴿الأَخِلّاءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلَّا المُتَّقينَ [الزخرف: ٦٧]، والنفس تتطلع للمرأة الغنية وذات المنصب والجمال فكيف لو دعي للفاحشة معها، ومن أعطى من ماله فعادة ذلك رغبته في المدح والثناء، وكذلك في الظهور بالعمل الصلح والزهد، ومن تأملها يجد أموراً مشتركة من أبرزها مخالفة الهوى وأنها أعمال أريد بها وجه الله من فعل أو ترك، وهذه هي المنجية دون غيرها.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنَّا جُلوسًا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يطلُعُ الآن عليكم رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ، فطلع رجلٌ من الأنصارِ تنطُفُ لحيتُه من وضوئِه قد علَّق نعلَيْه بيدِه الشِّمالِ، فلمَّا كان الغدُ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مثلَ ذلك، فطلع ذلك الرَّجلُ مثلَ المرَّةِ الأولَى، فلمَّا كان اليومُ الثَّالثُ، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مثلَ مقالتِه أيضًا، فطلع ذلك الرَّجلُ على مثلِ حالِه الأوَّلِ، فلمَّا قام النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تبِعه عبدُ اللهِ بنُ عمرٍو، فقال: إنِّي لا حيْتُ أبي، فأقسمْتُ أنِّي لا أدخُلُ عليه ثلاثًا، فإن رأيتَ أن تُئوِيَني إليك حتَّى تمضيَ فعلتَ. قال: نعم. قال أنسٌ: فكان عبدُ اللهِ يُحدِّثُ أنَّه بات معه تلك الثَّلاثَ اللَّياليَ فلم يرَه يقومُ من اللَّيلِ شيئًا غيرَ أنَّه تعارَّ تقلَّب على فراشِه ذكر اللهَ عزَّ وجلَّ، وكبَّر حتَّى صلاةِ الفجرِ. قال عبدُ اللهِ: غيرَ أنِّي لم أسمَعْه يقولُ إلَّا خيرًا، فلمَّا مضَتِ الثَّلاثُ اللَّيالي، وكِدتُ أن أحتقِرَ عملَه قلتُ: يا عبدَ اللهِ لم يكُنْ بيني وبين أبي غضَبٌ ولا هَجرةٌ، ولكن سمِعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ لك ثلاثَ مرَّاتٍ: يطلُعُ عليكم الآن رجلٌ من أهلِ الجنَّةِ، فطلعتَ أنت الثَّلاثَ مرَّاتٍ، فأردْتُ أن آويَ إليك، فأنظُرَ ما عملُك، فأقتديَ بك، فلم أرَك عمِلتَ كبيرَ عملٍ، فما الَّذي بلغ بك ما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: ما هو إلَّا ما رأيتَ، فلمَّا ولَّيْتُ دعاني: ما هو إلَّا ما رأيتَ غيرَ أنِّي لا أجِدْ في نفسي لأحدٍ من المسلمين غِشًّا ولا أحسُدُ أحدًا على خيرٍ أعطاه اللهُ إيَّاه فقال عبدُ اللهِ: هذه الَّتي بلغَتْ بك" رواه المنذري في الترغيب والترهيب. وهذا الحديث مع أن بعض العلماء أعله، لكن معناه صحيحاً، فانظر ماهية العمل الذي أدخله الجنة فهو معنوي لا يرى، لكنه عظيم الأجر والأثر.

قال ابن كثير: توفيت زبيدة زوجة هارون الرشيد، وأم الأمين، فرئيت في المنام، وزبيدة هذه هي التي أجرت عيناً في مكة، المسماة: عين زبيدة، فرئيت زبيدة هذه في المنام، فقال لها ابنها: ما فعل الله بك؟ قالت: كدت أهلك -أي: أُعَذَّب- فقال: وأين العين -عين زبيدة - وأجرها وثوابها التي أجريتِها للحجاج؟ قالت: ما نفعتني بشيء، كادت تهلكني تلك العين، قال: ولِمَ؟ قالت: ما أردت بها وجه الله فما نفعتني. قال: وما نفعك إذاً؟ قالت: نفعتني رحمة الله، ثم إنه ما مرت عليَّ ليلة إلا أقوم في السحر، فأتوضأ ثم أقوم على شرفات القصر -قصر هارون الرشيد؛ لأنه خليفة وهي زوجته- فأنظر في السماء وأقول: لا إله إلا الله أدخل بها قبري، لا إله إلا الله أقضي بها عمري، لا إله إلا الله أقف بها في حشري، لا إله إلا الله يغفر بها ربي ذنبي.

فهذا العمل القليل نفعها أكثر من تلك العين. والمشروع الضخم الذي عد في التاريخ من أفضل المشاريع التي عرفتها الأمة، ما نفعها بشيء: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً [الفرقان:23]، إن عملاً لا يراد به وجه الله لا ينفع صاحبه أبداً، يروى عنه صلى الله عليه وسلم كما أورده المنذري في الترغيب والترهيب: "يا معاذ ! أخلص عملك يكفيك القليل" فإن المقلَّ مع الإخلاص يكفيه وهو من السابقين عند الله عز وجل، والمكثر بلا إخلاص لا ينفعه، كالذي يحمل الحجارة على ظهره فهو لم يستفد منها، ولم يسلم من حملها وثقلها، فليُعلم هذا".

وفي المقابل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أنَّ اللَّهَ تبارَك وتعالى إذا كانَ يومُ القيامةِ ينزلُ إلى العبادِ ليقضيَ بينَهم وَكلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ فأوَّلُ من يدعو بِه رجلٌ جمعَ القرآنَ ورجلٌ يقتَتِلُ في سبيلِ اللهِ ورجلٌ كثيرُ المالِ فيقولُ اللَّهُ للقارئِ ألم أعلِّمْكَ ما أنزلتُ علَى رسولي قالَ بلى يا ربِّ قالَ فماذا عملتَ فيما عُلِّمتَ قالَ كنتُ أقومُ بِه آناءَ اللَّيلِ وآناءَ النَّهارِ فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ وتقولُ الملائِكةُ كذَبتَ ويقولُ له اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ قارئٌ فقد قيلَ ذلكَ ويؤتى بصاحبِ المالِ فيقولُ اللَّهُ ألم أوسِّعْ عليكَ حتَّى لم أدعْكَ تحتاجُ إلى أحدٍ قالَ بلى يا ربِّ قالَ فماذا عمِلتَ فيما آتيتُك قالَ كنتُ أصلُ الرَّحمَ وأتصدَّقُ فيقولُ اللَّهُ لَه كذَبتَ وتقولُ الملائِكةُ لَه كذَبتَ ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جَوادٌ وقد قيلَ ذلكَ ويُؤتى بالَّذي قُتلَ في سبيلِ اللهِ فيقولُ اللَّهُ لَه في ماذا قُتلتَ فيقولُ أُمِرتُ بالجِهادِ في سبيلِك فقاتلتُ حتَّى قُتلتُ فيقولُ اللَّهُ لَه كذبتَ وتقولُ لَه الملائِكةُ كذبتَ ويقولُ اللَّهُ بل أردتَ أن يقالَ فلانٌ جريءٌ فقد قيلَ ذلكَ ثمَّ ضربَ رسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ علَى رُكبتي فقالَ يا أبا هريرةَ أولئِك الثَّلاثةُ أوَّلُ خلقِ اللهِ تُسعَّرُ بِهمُ النَّارُ يومَ القيامةِ" رواه الترمذي وصححه الألباني. فلم يكن النظر إلى ظاهر العمل رغم هذا العمل، بل إلى من أريد به العمل، وإذا ما تعمقنا في هذه الأعمال لم تكن في ظاهرها حمالة أوجه، فقد حفظ أحدهم القرآن ولم يشغل نفسه بسواه، وأحدهم أنفق في سبيل الله ولم ينفق في شبهة أو مباح، بل في الصلة والصدقة، وآخرهم قد مات مقتولاً في سبيل الله، هل استوعبنا ذلك؟!! مات مقتولاً في سبيل الله ولم يكن مصطفاً ضد المسلمين، أو يقاتل شبهة، وإذا بُدئ بهؤلاء بهذه الأعمال فكيف بما دونها؟

وأيضاً دوننا هذا المشهد الحاضر في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: التقى النبيُّ صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعضِ مغازِيه فاقتتلوا، فمال كلُّ قومٍ إلى عسكرِهم، وفي المسلمين رجلٌ لا يدعُ من المشركون شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتبعَها فضربَها بسيفِه، فقيل: يا رسولَ الله ما أجْزأَ أحدٌ ما أجْزأَ فلانٌ، فقال: "إنه من أهلِ النارِ). فقالوا: أيُّنا من أهلِ الجنةِ، إن كان هذا من أهلِ النارِ؟ فقال رجلٌ من القومِ: لأتبعنَّه، فإذا أسرعَ وأبطأَ كنت معه، حتى جُرِحَ، فاستعجلَ الموتَ، فوضعَ نصابَ سيْفِه بالأرضِ وذبابَه بين ثدييْهِ، ثم تحاملَ عليه فقتلَ نفسَه، فجاء الرجلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أشهدُ أنك رسولُ اللهِ، فقال: "وما ذاك؟". فأخبرَه، فقال: "إن الرجلَ ليعملَ بعملِ أهلِ الجنةِ، فيما يبدُو للناسِ، وإنه من أهلِ النارِ، ويعملُ بعملِ أهلِ النارِ، فيما يبدُو للناسِ، وهو من أهلِ الجنةِ". رواه البخاري. ألا أين من احتقر صغار الأعمال الخالصة واحتفى بكبار الأعمال المدخولة؟! لعمري إن الخطب جلل، فالعبرة في المثاقيل بتلك السرائر الصادقة، فذرات الإخلاص تطيش بأحمال الرياء.


 

لماذيات (لماذا كان هذا الموضوع):

حب الله لأهل عبادات الخفاء لصلاح خلواتهم وصحة سرائرهم، وفي الحديث كان سعدُ بن أبي وقاصٍ في إبلِه. فجاءه ابنُه عمرُ. فلما رآه سعدٌ قال: أعوذ باللهِ من شرِّ هذا الراكبِ. فنزل. فقال له: أَنَزلتَ في إبلِك وغنمِك وتركت الناسَ يتنازعون المُلكَ بينهم؟ فضرب سعدٌ في صدرِه فقال: اسكتْ. سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول " إنَّ اللهَ يحبُّ العبدَ التَّقيَّ، الغنيَّ، الخفيَّ " رواه مسلم، وقال أحمد عن مبارك: "ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له".[2]

نجاتهم في الآخرة، قال الحق تعالى: ﴿يَومَ لا يَنفَعُ مالٌ وَلا بَنونَ* إِلّا مَن أَتَى اللَّهَ بِقَلبٍ سَليمٍ [الشعراء: ٨٨-٨٩]، وهنا علق جواز الإنسان قنطرة الآخرة بسلامة قلبه الذي لا يطلع على عمله سوى علّام الغيوب، قال الشافعي رحمه الله: (ينبغي للعالم أن يكون له خبيئة من العمل الصالح فيما بينه وبين الله ولا يعتمد على العلم فقط، فإنه قليل الجدوى في الآخرة)[3].

وفي المقابل تهلك أمة من الناس في مخالفتهم هذه العبادة ولو صلح بعضها، يروي ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً عظيم قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم و نحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم، و من جلدتكم، و يأخذون من الليل كما تأخذون، و لكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" صححه الألباني في السلسلة، وهنا نجد أنهم كانوا أهل عمل صالح لكنهم استقلوا نظر الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وذلكم ظنهم الذي ظنوا بربهم أرداهم فأصبحوا من الخاسرين.

الثبات والتثبيت والعصمة والهداية والسداد، تأمل قول الحق تعالى: ﴿وَلَقَد هَمَّت بِهِ وَهَمَّ بِها لَولا أَن رَأى بُرهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السّوءَ وَالفَحشاءَ إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ [يوسف: ٢٤]، فهذا يوسف عليه السلام عصمه الله وثبته لأنه كان من عباد الله المخلصين، وعبادات الخفاء تقي مصارع الفحشاء. ويقول الحق: ﴿وَالَّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحسِنينَ [العنكبوت: ٦٩]، والجهاد هنا جهاد نفس يعنى بالذات ولا يطلع عليه إلا الله، وجزاؤه الهداية والسداد، ويقول الحق: ﴿فَاستَجَبنا لَهُ وَوَهَبنا لَهُ يَحيى وَأَصلَحنا لَهُ زَوجَهُ إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَيَدعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لَنا خاشِعينَ [الأنبياء: ٩٠]، وهذه في سياق الحديث عن الأنبياء، واستجابة الله لدعواتهم، فكانت من مزاياهم الخشوع وهو عمل خفي يتلبس به العبد ويناجي به ربه.

جذر عبادات الخفاء هي القلوب، والقلوب هي محط نظر الله، في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللَّهَ لا ينظرُ إلى صورِكُم وأموالِكُم، ولَكِن ينظرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم" رواه مسلم. وقال تعالى: ﴿لَن يَنالَ اللَّهَ لُحومُها وَلا دِماؤُها وَلكِن يَنالُهُ التَّقوى مِنكُم كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُم لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُم وَبَشِّرِ المُحسِنينَ [الحج: ٣٧]، وتأمل هذين الموقفين الأول في الحديبية، قال تعالى: ﴿لَقَد رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤمِنينَ إِذ يُبايِعونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما في قُلوبِهِم فَأَنزَلَ السَّكينَةَ عَلَيهِم وَأَثابَهُم فَتحًا قَريبًا [الفتح: ١٨]، والثاني في حنين، قال تعالى:﴿لَقَد نَصَرَكُمُ اللَّهُ في مَواطِنَ كَثيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرينَ ]التوبة: ٢٥[، قارن بين المشهدين لتعلم مدار النصر وتحقيق التمكين، أن أصله يبدأ بتصحيح العلاقة مع الله في عبادات القلوب، فكان الصحابة في الحديبية في ضعف مادي، وهم خارج عن بلادهم فأثيبوا بالسكينة والفتح القريب لما في قلوبهم، وفي المقابل في حنين لما قال قائلهم (لن نغلب اليوم من قلة) وكان اعتمادهم على عدتهم المادية وعتادهم، وكان العجب وهو من أشد ما يبارز الله به فلم تغن عنهم شيئا.

لكثرة السقوط في حبائل الدنيا، فكثر التحديث بالأعمال، وحضرت دعاوى جديدة لتبرر التنافس على الشهرة والشرف بالدين، وفي الحديث عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبانِ جائعانِ أُرسلا في غنمٍ، بأفسدَ لها من حرصِ المرءِ على المالِ والشرفِ، لدِينه" رواه الترمذي، فتصدعت الربانية حيث فقد الإخلاص وعز المخلصون.

لأنه منهج نبوي صحيح، عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخَلْتُ أنا وعُبيدُ بنُ عُميرٍ على عائشةَ فقالت لِعُبيدِ بنِ عُميرٍ: قد آن لك أنْ تزورَنا فقال: أقولُ يا أمَّهْ كما قال الأوَّلُ: زُرْ غِبًّا تزدَدْ حُبًّا قال: فقالت: دعُونا مِن رَطانتِكم هذه قال ابنُ عُميرٍ: أخبِرينا بأعجَبِ شيءٍ رأَيْتِه مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: فسكَتَتْ ثمَّ قالت: لَمَّا كان ليلةٌ مِن اللَّيالي قال: ( يا عائشةُ ذَرِيني أتعبَّدِ اللَّيلةَ لربِّي ) قُلْتُ: واللهِ إنِّي لَأُحِبُّ قُرْبَك وأُحِبُّ ما سرَّك قالت: فقام فتطهَّر ثمَّ قام يُصَلِّي قالت: فلم يزَلْ يبكي حتَّى بَلَّ حجرَه قالت: ثمَّ بكى فلم يزَلْ يبكي حتَّى بَلَّ لِحيتَه قالت: ثمَّ بكى فلم يزَلْ يبكي حتَّى بَلَّ الأرضَ فجاء بلالٌ يُؤذِنُه بالصَّلاةِ فلمَّا رآه يبكي قال: يا رسولَ اللهِ لِمَ تَبكي وقد غفَر اللهُ لك ما تقدَّم وما تأخَّر؟ قال: ( أفلا أكونُ عبدًا شكورًا لقد نزَلَتْ علَيَّ اللَّيلةَ آيةٌ، ويلٌ لِمَن قرَأها ولم يتفكَّرْ فيها {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 190] ) الآيةَ كلَّها. رواه ابن حبان، وكذا كان في عزلته إبان الدعوة في الغار، وكذلك فهم السلف هذا النهج، فتأمل في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا. قال فمن تبع منكم اليومَ جنازةً؟ قال أبو بكرٍ: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا. قال: فمن عاد منكم اليومَ مريضًا؟ قال أبو بكرٍ: أنا. فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما اجتمَعْنَ في امرئٍ إلا دخل الجنَّةَ" رواه مسلم، قد وجدنا أن أبا بكر قد فعلها من غير أن يظهرها في رابعة النهار، فكانت تحت نظر الله دون خلقه. ولم يكاد يعرف من حوله عنه شيئاً إلا بعد أن سأله رسول الله فوجب الجواب.

حسن الخاتمة والتي كانت تقض مضاجع الصالحين، ومنها كان أنين المخبتين، وفي الحديث "إنما الأعمال بالخواتيم" رواه أحمد والطبراني، ولكن على ماذا تكون الخاتمة؟ يجيبنا رسول الله في خاتمة هذا الحديث العظيم، روى سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه كما عند مسلم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا من أعظمِ المسلمين غَنَاءً عَنَ المسلمين في غزوةٍ غزاها مَعَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -؛ فنظرَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إلى رجلٍ من أهلِ النَّار فلْيَنْظُرْ إلى هذا. فاتَّبَعَه رجلٌ مِنَ القومِ، وهو على تلك الحالِ من أشدِّ الناسِ على المشركين، حتى جُرِحَ، فاسْتَعْجَلَ الموتَ، فجَعَلَ ذُبَابَةَ سَيْفِه بينَ ثَدْيَيْه حتى خرجَ من بينِ كَتَفَيْه، فأقبلُ الرجلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم مُسْرِعًا؛ فقال: أَشْهَدُ أنك رسولُ اللهِ. فقال: وما ذاك؟ قال: قلتَ لفلانٍ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ ينظرَ إلى رجلٍ من أهلِ النارِ فلْينظرُ إليه. وكان من أَعْظَمِنَا غَنَاءَ عن المسلمين؛ فعرفتُ أنه لا يَمُوتُ على ذلك، فلما جُرِحَ استعجلَ الموتَ فقتلَ نفسَه، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عندَ ذلك: إِنَّ العبدَ لَيَعْمَلُ عملَ أهلِ النارِ وإِنَّه مِنْ أهلِ الجنةِ، ويعملُ عملَ أهلِ الجنةِ وإٍنَّه من أهلِ النارِ، الأعمالُ بالخَوَاتِيمِ". رواه البخاري، فلم يكن الختام على عمل ظاهره الصلاح مهما كبر، بل على تلكم الأعمال التي أريد بها وجه الله دون غيره.

آيات أهل السر الصالح:

وللمؤمن المخلص دلائل يعلم بها، والحصيف يتتبع تلك الخصال في نفسه، ويجريها على عمله ويرى هل سيحمد السرى يوماً، أم يستلهم ما بقي فيحسن ويجود على نفسه، ومن تلك الآيات في أهل التجرد والإخلاص:

المسارعة والسباق في أعمال البر والخير، وقد مر معنا ما ذُكر عن الأنبياء ﴿فَاستَجَبنا لَهُ وَوَهَبنا لَهُ يَحيى وَأَصلَحنا لَهُ زَوجَهُ إِنَّهُم كانوا يُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَيَدعونَنا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكانوا لَنا خاشِعينَ [الأنبياء: ٩٠]، كان أول شأن لهم المسارعة للخيرات، وشأن هذه تتمايز عن العبادة نفسها، لأنها تدل على قريحة للآخرة جعلت من يرى صاحبها يقضي بأن لا يسبقه إلى الله أحد، وتأمل هذه النصوص ﴿ثُمَّ أَورَثنَا الكِتابَ الَّذينَ اصطَفَينا مِن عِبادِنا فَمِنهُم ظالِمٌ لِنَفسِهِ وَمِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سابِقٌ بِالخَيراتِ بِإِذنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الفَضلُ الكَبيرُ [فاطر: ٣٢]، ﴿وَلِكُلٍّ وِجهَةٌ هُوَ مُوَلّيها فَاستَبِقُوا الخَيراتِ أَينَ ما تَكونوا يَأتِ بِكُمُ اللَّهُ جَميعًا إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ [البقرة: ١٤٨]، ﴿وَسارِعوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُهَا السَّماواتُ وَالأَرضُ أُعِدَّت لِلمُتَّقينَ [آل عمران: ١٣٣]، ﴿خِتامُهُ مِسكٌ وَفي ذلِكَ فَليَتَنافَسِ المُتَنافِسونَ [المطففين: ٢٦]، ﴿وَالسّابِقونَ السّابِقونَ* أُولئِكَ المُقَرَّبونَ [الواقعة: ١٠-١١]، ﴿سابِقوا إِلى مَغفِرَةٍ مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِ السَّماءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتيهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ [الحديد: ٢١]، إنك تستلهم معنى عظيم في هذه السياقات الربانية وهو السبق والمسارعة إلى الله وكأنها مسار يختلف عن مسار العبادة الحقيقة، ولا شك في ذلك فحين تتأمل قول الله عز وجل: ﴿وَما لَكُم أَلّا تُنفِقوا في سَبيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ ميراثُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا يَستَوي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذينَ أَنفَقوا مِن بَعدُ وَقاتَلوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الحُسنى وَاللَّهُ بِما تَعمَلونَ خَبيرٌ [الحديد: ١٠]، تجد أن كلا الفريقين قاتل وانفق لكنهم لا يستوون، لاختلاف قرائح النفوس في عزائم الآخرة التي جعلت من أولئك يسبقون رغم الضيق والبعد والمشقة، وانظر في هذا الحديث تتبدى لك هذه القاعدة الجليلة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأولِ، ثم لم يجدُوا إلا أن يستهِموا عليه لاسْتهَموا عليه، ولو يعلمون ما في التهْجيرِ لاسْتبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العَتَمَةِ والصبحِ لأتوْهما ولو حبْوًا" رواه البخاري، فمن كان في الصف الأول ليس كالذي في خلفه، لاختلاف ما في قلوبهم، ومسارات المسارعة شاملة لكل الأعمال الصالحة لأنها لا تتعلق بذات العمل وإنما بالمقصود من العمل تبارك وتعالى، وفي الحديث عن أبي ذر مرفوعا: "ثلاثةٌ يُحِبُّهم اللهُ وثلاثةٌ يُبغِضُهم اللهُ أمَّا الَّذين يُحِبُّهم اللهُ فرجلٌ أتى قومًا فسأَلهم باللهِ ولم يسأَلْهم بقرابةٍ بينهم وبينه فتخلَّف رجلٌ بأعقابِهم فأعطاه سرًّا لا يعلَمُ بعطيَّتِه إلَّا اللهُ والَّذي أعطاه وقومٌ ساروا ليلتَهم حتَّى إذا كان النَّومُ أحبَّ إليهم ممَّا يُعدَلُ به نزَلوا فوضَعوا رؤوسَهم وقام يتملَّقُني ويتلو آياتي ورجلٌ كان في سريَّةٍ فلقي العدوَّ فهُزِموا وأقبَل بصدرِه حتَّى يُقتَلَ أو يُفتَحَ له، وثلاثةٌ يُبغِضُهم اللهُ: الشَّيخُ الزَّاني والفقيرُ المختالُ والغنيُّ الظَّلومُ" رواه ابن حبان.

القبول عند الخلق، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: عن الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ، إذا أحبَّ عبدًا، دعا جبريلَ فقال: إنِّي أحبُّ فلانًا فأحِبَّه. قال فيُحبُّه جبريلُ. ثمَّ يُنادي في السَّماءِ فيقولُ: إنَّ اللهَ يُحبُّ فلانًا فأحِبُّوه. فيُحبُّه أهلُ السَّماءِ. قال ثمَّ يُوضعُ له القَبولُ في الأرضِ. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريلَ فيقولُ: إنِّي أُبغِضُ فلانًا فأبغِضْه. قال فيُبغضُه جبريلُ. ثمَّ يُنادي في أهلِ السَّماءِ: إنَّ اللهَ يُبغِضُ فلانًا فأبغِضوه. قال فيُبغِضونه. ثمَّ تُوضعُ له البغضاءُ في الأرضِ". رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم. قال: عثمان رضي الله عنه: (ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله- عز وجل- على صفحات وجهه وفلتات لسانه)[4].

الإخلاص وثمرته الرقابة التي تثمر الإحسان، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "الإحسانُ: أنْ تعبدَ اللهَ كأنكَ تراهُ، فإنْ لم تكنْ تراهُ فإنَّهُ يراكَ". رواه البخاري ومسلم، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذي خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ وَكانَ عَرشُهُ عَلَى الماءِ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَلَئِن قُلتَ إِنَّكُم مَبعوثونَ مِن بَعدِ المَوتِ لَيَقولَنَّ الَّذينَ كَفَروا إِن هذا إِلّا سِحرٌ مُبينٌ [هود: ٧]، ﴿إِنّا جَعَلنا ما عَلَى الأَرضِ زينَةً لَها لِنَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلًا [الكهف: ٧]، ﴿إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضيعُ أَجرَ مَن أَحسَنَ عَمَلًا [الكهف: ٣٠]، ﴿الَّذي خَلَقَ المَوتَ وَالحَياةَ لِيَبلُوَكُم أَيُّكُم أَحسَنُ عَمَلًا وَهُوَ العَزيزُ الغَفورُ [الملك: ٢]. قال ابن كثير في آية هود: وقوله: ( ليبلوكم ) أي: ليختبركم ( أيكم أحسن عملا ) ولم يقل: أكثر عملا بل ( أحسن عملا ) ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عز وجل، على شريعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين بطل وحبط.

صلاح الخبايا والخفايا وسمو حديث وخاطر النفس، وفي الحديث عن أبي كبشة الأنماري رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إنَّما الدُّنيا لأربعةِ نفرٍ عبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا وعلمًا فَهوَ يتَّقي ربَّهُ فيهِ ويصلُ فيهِ رحمَهُ ويعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فَهذا بأفضلِ المنازلِ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ علمًا ولم يرزقْهُ مالًا فَهوَ صادقُ النِّيَّةِ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فأجرُهما سواءٌ وعبدٍ رزقَهُ اللَّهُ مالًا ولم يرزقْهُ علمًا يخبطُ في مالِهِ بغيرِ علمٍ لا يتَّقي فيهِ ربَّهُ ولا يصِلُ فيهِ رحمَهُ ولا يعلمُ للَّهِ فيهِ حقًّا فهو بأخبَثِ المنازلِ وعبدٍ لم يرزقْهُ اللَّهُ مالًا ولا علمًا فَهوَ يقولُ لو أنَّ لي مالًا لعملتُ فيهِ بعملِ فلانٍ فَهوَ بنيَّتِهِ فوزرُهما سواءٌ". رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال رسول الله: " إذا عُمِلت الخطيئةُ في الأرضِ كان من شهِدها فكرِهها – وقال مرَّةً: أنكرها – كمن غاب عنها. ومن غاب عنها فرضِيها، كان كمن شهِدها" رواه أبو داود وصححه الألباني، قال مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ: " إِنَّ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ تَغْلِي بِأَعْمَالِ الْبِرِّ، وَإِنَّ صُدُورَ الْفُجَّارِ تَغْلِي بِأَعْمَالِ الْفُجُورِ وَاللَّهُ تَعَالَى يَرَى هُمُومَكُمْ رَحِمَكُمُ اللَّهُ "[5].

عدم العجب، قال المولى تبارك وتعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17] وقال تعالى: ﴿وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ [المدثر: 6]، قال الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أن رسول الله قال " لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العُجْب ". السلسلة الصحيحة، وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: "بينما أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل رجل يتبختر بين برديه و ينظر إلى عطفيه و قد أعجبته نفسه، إذ خسف الله به الأرض في هذا الموطن، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة" السلسلة الصحيحة، وروى الطبراني في الأوسط، والبيهقي في الشعب وحسنه الألباني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه"، وسُئل عبد الله بن المبارك –رحمه الله- عن مفهوم العُجْب؟ فقال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك ![6]، وقال بشر بن الحارث –رحمه الله-: العجب أن تستكثر، عملك وتستقل عمل الناس أو عمل غيرك[7].

وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذينَ هُم مِن خَشيَةِ رَبِّهِم مُشفِقونَ* وَالَّذينَ هُم بِآياتِ رَبِّهِم يُؤمِنونَ* وَالَّذينَ هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكونَ* وَالَّذينَ يُؤتونَ ما آتَوا وَقُلوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلى رَبِّهِم راجِعونَ [المؤمنون: ٥٧-٦٠]، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن هذِهِ الآيةِ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ قالت عائشةُ: أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ قالَ لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ، وَهُم يخافونَ أن لا تُقبَلَ منهُم أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ" رواه الترمذي وصححه الألباني، وفي هذا المعنى يقول مُطَرِّفٍ: " لأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحَ نَادِمًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا وَأُصْبِحَ مُعْجَبًا"[8]، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً سألها فقال: متى أعلم أني محسن؟ قالت: إذا علمت أنك مسيئ، قال: ومتى أعلم أني مسيئ؟ قالت: إذا علمت أنك محسن[9]. فهاهم أهل التجرد والإخلاص من أمقت الناس لأنفسهم وهم أقرب الناس لله، في المقابل نجد من ينطبق عليه ظاهر الإرجاء وهو من أبعد الناس عن الله ولا إشكال بين إحسان الظن بالله ومقت النفس في جنب الله، فإحسان الظن وهذا في حق الله أنه رحيم جواد كريم، ومقت النفس هو لذات النفس وحق الله عليها، وبهذا تكن البصيرة بحق الله على العبد.

الخوف من الذنوب وعدم استصغارها، في الحديث عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: " إيَّاكم ومُحَقَّراتِ الذُّنوبِ فإنَّما مَثَلُ مُحَقَّراتُ الذُّنوبِ كمَثَلِ قومٍ نزَلوا بطنَ وادٍ فجاء ذا بعودٍ وجاء ذا بعودٍ حتَّى حمَلوا ما أنضَجوا به خُبْزَهم وإنَّ مُحَقَّراتِ الذُّنوبِ متى يُؤْخَذْ بها صاحِبُها تُهْلِكْه". رواه الهيثمي في مجمع الزوائد، وصححه الألباني في السلسة وصحيح الجامع وصحيح الترغيب. يقول أبو بكر رضي الله عنه: " أطوع الناس لله تعالى أشدهم بغضا للمعصية"[10]، وقال سهل التستري: أعمال البر يعملها البر والفاجر، ولا يجتنب المعاصي إلا صديق[11]، ولخطر الذنوب أيقن السابقون شؤمها، قال ابن مسعود: "الْمُؤْمِنُ يَرَى ذَنْبَهُ كَأَنَّهُ صَخْرَةٌ يَخَافُ أَنْ تَقَعَ عَلَيْهِ، وَالْمُنَافِقُ يَرَى ذَنْبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ فَطَارَ فَذَهَبَ" رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وقال أنس محدثاً أصحابه: إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات قال أبو عبد الله يعني بذلك المهلكات[12]. فمعنى الذنوب لديهم عصيب جدا فهم يعدون كل ذنب كبيرة، لأنهم لا ينظرون إلى صغر المعصية بل إلى عظمة من عُصي، لذا قلما يذنب أحدهم وتجده بعد ذلك مبتسما ضاحكا، بل لا تهنأ عينه بنوم ولا جفنه من دمع، وكل ذلك خوف من العزيز الحكيم.

استواء الظاهر مع الباطن، وفي الحديث: "شر الناس عند الله يوم القيامة ذو الوجهين" رواه البخاري ومسلم، فمن أبطن وجه السوء وأظهر غيره لا شك أنه يوبخ نفسه وهو شر الناس، أما أهل الإخلاص والسرائر الصالحة فقد فاح أريج أرواحهم العطرة وزكت نفوسهم الصافية، قال خالد بْن صفوان، قال: لما لقيت مسلمة بْن عَبْدالملك بالحيرة، قال: يا خالد، أخبرني عن حسن أهل البصرة، قلت: أصلح اللَّه الأمير، أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قبلي به، أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبه قولا بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كَانَ أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كَانَ أترك الناس له، رأيته مستغنيا عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه، قال: حسبك يا خالد، كيف يضل قوم هذا فيهم؟![13]. تأمل هذه الخصلة في الحسن البصري: (أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبه قولاً بفعل).

الاطمئنان والسكينة في غير الشهرة والظهور، وفي حديث جابر في قصة أويس القرني رضي الله عنهما قال عمرُ لأويس: أين تريد؟ قال: الكوفةُ. قال: ألا أكتب لك إلى عاملِها؟ قال: أكون في غَبراءِ الناسِ أحَبُّ إليَّ.."الحديث رواه مسلم. وقال سهل التستري: من أحب أن يطلع الخلق على ما بينه وبين الله فهو غافل.[14]

التسليم والقبول للنصوص والإيمان بالقضاء والقدر، قال الله تعالى: ﴿وَما كانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسولُهُ أَمرًا أَن يَكونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالًا مُبينًا [الأحزاب: ٣٦]، وقال سبحانه: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنونَ حَتّى يُحَكِّموكَ فيما شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدوا في أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمّا قَضَيتَ وَيُسَلِّموا تَسليمًا ]النساء: ٦٥[، إن العبد الصادق الذي أدرك معنى العبودية وقر في قلبه تعظيم الله وتعظيم أوامره ونواهيه، وتعظيم رسوله واتباعه، ﴿قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ [آل عمران: ٣١]، فينعكس على إيمانهم وتسليمهم واستجابتهم وكذلك على شكره لله في السراء والضراء، وفي الحديث عن صهيب بن سنان رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمرِ المؤمنِ. إن أمرَه كلَّه خيرٌ. وليس ذاك لأحدٍ إلا للمؤمنِ. إن أصابته سراءُ شكرَ. فكان خيرًا له. وإن أصابته ضراءُ صبر. فكان خيرًا له" رواه مسلم، لأن أصل الإنسان خلق من جزع وقلة صبر وكان الإنسان عجولا قنوطا يؤوسا، فإذا ذاق النعمة والرحمة وارتفعت الضراء قال هذا لي، إلا المؤمن فإنه شاكر في السراء صابر في الضراء فإن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر وقال هذا من عند نفسي ورحمة ربي أوسع لي، إنك تجدهم أرضى الناس عن الله والله يرضيهم وقد لا تجد متاعهم من الدنيا إلا قليل! لأنهم رزقوا أعظم ما يرزق به عباد الله هو القناعة والسعادة بما وهبه الله، وغيرهم قد تجده بسطت له الدنيا لكنه ساخط شقي، وهذا التباين يؤكد أن العبرة بصلاح السر وليس بصلاح الظاهر فقط.

سلامة قلوبهم على المسلمين ولا ينافسون إخوانهم في دنياهم، ولا تضيق نفوسهم على مسلم، ويصح فيهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عبد الله بن عمرو: قيل: يا رسولَ اللهِ أيُّ النَّاسِ أفضلُ؟ قال: "كلُّ مَخمومِ القلبِ صَدوقُ اللِّسانِ". قالوا: صَدوقُ اللِّسانِ نعرِفُه، فما مَخمومُ القلبِ؟ قال: "هو التَّقيُّ النَّقيُّ لا إثمَ فيه ولا بَغيَ، ولا غِلَّ، ولا حسَدَ"" رواه المنذري في الترغيب والترهيب. وفي المقابل تتبدى بعض آيات المنافق كما في الحديث حيث إخلاف الوعد والكذب والخيانة والفجور في الخصومة والغدر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ( آيَةُ المُنافِقِ ثلاثٌ: إذا حَدَّثَ كذَبَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ، وإذا وَعَدَ أخْلَفَ ). رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري، وهي كلها تخص جانب التعامل؛ لتؤكد أن أبرز سمات أهل الإخلاص هو مقابلة هذه السلوكيات، فتجده صادق الوعد منصفاً أميناً وفياً صادقاً.


 

مُعينات:

معرفة الله حق معرفته ومعرفة ما يجب له، قال ابن القيم: وليست حاجة الأرواح قط إلى شيء أعظم منها إلى معرفة بارئها وفاطرها ومحبته وذكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه، والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف، وله أطلب، وإليه أقرب، وكلما كان لها أنكر كان بالله أجهل، وإليه أكره، ومنه أبعد. والله ينزل العبد من نفسه حيث يُنزله العبد من نفسه [15].

الزهد في الدنيا وأطماعها معرفة حقيقتها، وفي هذا الشأن أتذكر حديث الرجل الذي أتى رسول الله سأله عن عمل يعمله فيحبه الله ويحبه الناس! لم تكن الإجابة كما قد يتصورها من سمع طرف الحديث لأول مرة أن تكون في بر أو صدقة أو عمل ظاهر، بل كانت إجابة عظيمة تسبر أغوار النفس وتستأصل منها منابت السوء، ولتقتات على جيد الموائد لا حشفها، عَنْ أَبِي الْعَبِاسِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ ". رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير، وصححه الألباني في السلسلة وصحيح الترغيب. أما قوله عليه الصلاة والسلام: " ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ " فمعنى الزهد في الشيء: الإعراضُ عنه لاستقلاله، واحتقاره، وارتفاع الهمَّةِ عنه، وعدم الرغبة فيه؛ وقد كثُر في القُرآن الإشارة إلى مدحه، وإلى ذمِّ الرغبة في الدُّنيا، قال تعالى: ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [ الأعلى: 16، 17 ]، وقال تعالى: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنيا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ [ الأنفال: 67 ]، وقال تعالى: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدُّنيا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً [ النساء: 77 ]؛ والآيات في ذلك كثيرة جدًا.

وقد ورد في تعريف الزهد الكثير، ولعل أجمعها ما قاله أبو سليمان الداراني -رحمه الله-: الزهد ترك ما يشغل عن الله؛ فقد روى عنه أبو نعيم أنه قال: اختلفوا علينا في الزهد بالعراق، فمنهم مَن قال: الزهد في ترك لقاء الناس، ومنهم مَن قال: في ترك الشهوات، ومنهم مَن قال: في ترك الشِّبع، وكلامهم قريب بعضُه من بعض؛ قال: وأنا أذهب إلى أنَّ الزهدَ في ترك ما يشغلك عن الله [16]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّكَ النَّاسُ " ذلك لأن الدُّنْيَا مَحْبُوبَة عِنْدهمْ، فَمَنْ يُزَاحِمهُمْ فِيهَا يَصِير مَبْغُوضًا عِنْدهمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ تَرَكَهُمْ وَمَحْبُوبهمْ يَكُون مَحْبُوبًا فِي قُلُوبهمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ؛ فمن زهد فيما في أيديهم، وبذل لهم ما عنده، وتحمل أثقالهم، ولم يكلفهم حملها من نفسه، وكف أذاه عنهم وتحمل أذاهم، وأعانهم ولم يستعن بهم، فهذه وأمثالها أوصاف العقلاء، فمن أتى بهذه الأوصاف وتخلق بهذه الأخلاق فقد تودد إليهم ولم ينظر إلى ما عندهم، فعند ذلك يحبه الناس؛ وإنما يفعل ما يفعله لله تعالى، ولوجوب حق العباد عليه، لا لمجرد طلب الودِّ منهم، فإذا فعل العبد ذلك لله تعالى أودع الله حبه قلوب خلقه؛ وقال الحسن -: لا تزالُ كريمًا على الناس، أو لا يزالُ الناسُ يكرمُونَك ما لم تَعاطَ ما في أيديهم، فإذا فعلتَ ذلك، استخفُّوا بكَ، وكرهوا حديثك، وأبغضوك[17].

وقال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَإِن تُؤمِنوا وَتَتَّقوا يُؤتِكُم أُجورَكُم وَلا يَسأَلكُم أَموالَكُم [محمد: ٣٦]، وقال: ﴿اعلَموا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنيا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَينَكُم وَتَكاثُرٌ فِي الأَموالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَعجَبَ الكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكونُ حُطامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضوانٌ وَمَا الحَياةُ الدُّنيا إِلّا مَتاعُ الغُرورِ [الحديد: ٢٠]، وعلى هذا كان الرعيل الأول السلف الصالح على هذا النهج، ومن ذلك ما نقلته لنا كتب السير أن سعيد بن المسيب زوج ابنته بدرهمين من أحد تلامذته المعسرين بعد أن خطبها ابن الخليفة وأتاه من يبشره أن الدنيا قد أتته ولسان حاله إذا كانت الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة فكم أتاني منها؟! عن سهل الساعدي رضي الله عنه مرفوعاً: "لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ" رواه الترمذي وصححه الألباني. يقول ابن أبي وداعة، قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما فلما جئته قال: أين كنت؟ قال: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها، قال: ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة، فقلت: يرحمك الله ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة، فقال: أنا، فقلت: أوتفعل، قال: نعم، ثم حمد الله تعالى وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجني على درهمين، قال: فقمت ولا أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وممن أستدين، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي واسترحت وكنت وحدي صائما، فقدمت عشائي أفطر كان خبزا وزيتا، فإذا بآت يقرع، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد، قال: فتفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب فظننت أنه بدا له، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك، قال: لأنت أحق أن يؤتى، قال: قلت: فما تأمر، قال: إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت فكرهت أن تبيت الليلة وحدك وهذه امرأتك فإذا هي قائمة من خلفه في طوله، ثم أخذها بيدها فدفعها بالباب ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من الباب ثم قدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز، فوضعتها في ظل السراج لكي لا تراه ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران، فجاءوني فقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم زوجني سعيد بن المسيب ابنته اليوم وقد جاء بها علي غفلة، فقالوا: سعيد بن المسيب زوجك؟ قلت: نعم، وها هي في الدار، قال: فنزلوا هم إليها وبلغ أمي فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، قال: فأقمت ثلاثة أيام ثم دخلت بها فإذا هي من أجمل الناس، وإذا هي من أحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيدا وهو في حلقته فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس فلما لم يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان، قلت: خيرا يا أبا محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو، قال: إن رابك شيء فالعصا، فانصرفت إلى منزلي فوجه إلي بعشرين ألف درهم، قال عبد الله بن سليمان: وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد بن عبد الملك حين ولاه العهد فأبى سعيد أن يزوجه فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف. قال عبد الله: وابن أبي وداعة هذا هو كثير بن المطلب بن أبي وداعة[18]. فمن تأمل فيها وفي نعيمها وزوالها وأدرك معنى الآخرة ونعيمها وأبديتها، أعطى كل ذي حق حقه ونظر لكل أمر بما يستحق فلن يقدم الفاني على الباقي.

كثرة المحاسبة ودوامها في ما يراد من العمل وهل كان على ما يريد الله وفق سنة رسول الله، فيكون السؤال قبل العمل عن المقصد، وأثناء العمل عن سريان ذات المقصد وبعد العمل عن بقاء ذات المقصد وهو الله ﴿إِنَّما نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لا نُريدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكورًا [الإنسان: ٩]، وأنن يكون كل ذلك وفق سنة رسول الله فتكون المحاسبة والنظر وقود ودافع لعمل العبد، قال الله: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ [الحشر: ١٨].

العيش في البيئات المخلصة المتجردة، يقول الله: ﴿وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ وَلا تَعدُ عَيناكَ عَنهُم تُريدُ زينَةَ الحَياةِ الدُّنيا وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمرُهُ فُرُطًا [الكهف: ٢٨]، تأمل قوله " يُريدونَ وَجهَهُ "، فدل صراحة على صحة سرائرهم وتجردهم لله، والذي بدوره كان مؤثرا على ذواتهم أولا بالفاعلية المستمرة، ثم على من معهم ثانيا، وهو المقصود من الآية، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه أحمد.

الحرص على أعمال الخفاء وتكثيرها لا سيما قيام الليل، فقد قال الله عن أهله ﴿كانوا قَليلًا مِنَ اللَّيلِ ما يَهجَعونَ* وَبِالأَسحارِ هُم يَستَغفِرونَ [الذاريات: ١٧-١٨]، وقال: ﴿تَتَجافى جُنوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ [السجدة: ١٦]، وقال سبحانه: ﴿أَمَّن هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجو رَحمَةَ رَبِّهِ قُل هَل يَستَوِي الَّذينَ يَعلَمونَ وَالَّذينَ لا يَعلَمونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبابِ [الزمر: ٩]، وحين التأمل في هذا العمل خاصة وديدن السلف عليه وهو أول ما فرض على الرسول من الصلاة تجد أن له شأن عظيم عند الله ﴿يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيلَ إِلّا قَليلًا* نِصفَهُ أَوِ انقُص مِنهُ قَليلًا* أَو زِد عَلَيهِ وَرَتِّلِ القُرآنَ تَرتيلًا [المزمل: ١-٤]

صحبة القران وتدبره والاتعاظ به، فأيما قلب لا يوعظ بالقران ففي إيمانه دخن، قال الله: ﴿ذلِكَ يوعَظُ بِهِ مَن كانَ مِنكُم يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذلِكُم أَزكى لَكُم وَأَطهَرُ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ [البقرة: ٢٣٢]، والأعجب من ذلك أنه يزيد غير المؤمن رجس وعمى، قال الله: ﴿وَلَو جَعَلناهُ قُرآنًا أَعجَمِيًّا لَقالوا لَولا فُصِّلَت آياتُهُ أَأَعجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُل هُوَ لِلَّذينَ آمَنوا هُدًى وَشِفاءٌ وَالَّذينَ لا يُؤمِنونَ في آذانِهِم وَقرٌ وَهُوَ عَلَيهِم عَمًى أُولئِكَ يُنادَونَ مِن مَكانٍ بَعيدٍ [فصلت: ٤٤]، فمن رام الموعظة الحق والهداية الصحيحة والشفاء الذي لا شقاء بعده فعليه بهذه الرحمة والنور والفرقان ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ قَد جاءَتكُم مَوعِظَةٌ مِن رَبِّكُم وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدورِ وَهُدًى وَرَحمَةٌ لِلمُؤمِنينَ [يونس: ٥٧]، فالقران خير معلم وخير هاد وخير صاحب، رسالة الله لعباده، فإن لم يكن بوابة الإيمان ﴿فَبِأَيِّ حَديثٍ بَعدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤمِنونَ [الجاثية: ٦]



[1] مختصر تاريخ دمشق (7/273)، عيون الأخبار (1/256).

 

[2] " صفة الصفوة"؛ لابن الجوزي.

[3] "العهود المحمدية"؛ عبد الوهاب الشعراني.

[4] "الآداب الشرعية"؛ لابن مفلح.

[5] "الزهد"؛ لأحمد ابن حنبل.

[6] شعب الإيمان (7/50)، تذكرة الحفاظ (1/278)

[7] "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"؛ لأبي نعيم الأصفهاني.

[8] "الزهد"؛ لأحمد ابن حنبل.

[9] "مجمع الأمثال"؛ للميداني.

[10] "الاستذكار"؛ لابن عبد البر.

[11] "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"؛ لأبي نعيم الأصفهاني.

[12] "فتح الباري شرح صحيح البخاري"؛ لابن حجر العسقلاني.

[13] "تهذيب الكمال"؛ للمزي، و"سير أعلام النبلاء"؛ للذهبي، (4 /576).

[14] "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"؛ لأبي نعيم الأصفهاني.

[15] "الكافية الشافية"؛ لابن القيم. ص:3.

[16] "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"؛ لأبي نعيم الأصفهاني.

[17] المرجع السابق.

[18] المرجع السابق.

==================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

سؤال وجواب في الطلاق محدث

7. الجزء السابع من سؤال وجواب في الطلاق   زيادة يوم 27-7-2021   *******   ج   7. اضافة أخري من ص 142.الردود ص 16. س53. ترقيم س1...